لا أخفي إعجابي بالروماني أولاريو كوزمين مدرب أهلي دبي، ومدرب منتخبنا الحالي مؤقتا، وقدراته التي برزت في كل الفرق التي دربها في الخليج، وأتأمل أن يكون في حضوره فائدة كبيرة لفريقنا الوطني. كوزمين مدرب ذو شخصية قيادية، يطلق آراءه بكل استقلالية تجاه قضايا الوسط الذي يعمل فيه، ما أوقعه في مشكلات مع الاتحادات والمجتمعات التي عمل لفرقها. في السعودية، إبان تدريبه للهلال انتقد جدولة الدوري، فوضع نفسه في مرمى سهام بعض النقاد، في الإمارات، زل لسانه ذات مؤتمر صحافي فوجد نفسه أمام القاضي بتهمة السب والقذف، وتم وقفه ستة أشهر وتغريمه حفنة دراهم. ودائما كان يقول، إن تصريحاته تفهم خطأ وأن اختلاف الثقافات أوقعه في الشرك أحيانا. على المستوى الفني، أظنه واحدا من أفضل خمسة مدربين مروا على الخليج في العقد الأخير، كل الفرق التي قادها تلعب بنظام دقيق في الملعب، يجيد استثمار القدرات الفردية وصهرها في قالب جماعي. وأنت تتابع فرقه التي قادها، تشعر بأن كل شيء محسوب بالورقة والقلم، لا يترك حيزا للمفاجآت يتحرك فيه الخصوم. .. رغم صرامته التي تظهر في قسمات وجهه، وفرضه الانضباطية العالية في فرقه، إلا أن العاملين معه، ينتقدونه في أن صرامته تظهر أكثر وأكثر مع اللاعبين الصاعدين، وتخف ولا تختفي أمام الأسماء الكبيرة للنجوم. الرجل المثير لا ينكر ذلك، عندما سُئل عنه قال: "اللاعب الكبير لا يمكن تعليمه الانضباطية فقد شب عن الطوق، المهم ألا يكسر النظام، أما الصغار فما زال الوقت متاحا لتشربهم ثقافة العمل الانضباطية". إجابته هذه دعت كثيرا من محبيه إلى تلقيبه ب"فيرجسون البلقان". يقول كوزمين في أحد لقاءاته: "كرة القدم تعتمد على ثلاثة أشياء بالترتيب: القوة البدنية العالية، التكتيك، المهارة الفردية"، وهو لا يسوق هذا كلاما نظريا بل يعمل به، ونجد أن أغلب الفرق التي دربها تتميز باللياقة البدنية العالية، وتتسم بالتكتيك المنضبط، ناهيك عن استثماره الواضح للقدرات الفردية للاعبيه، كما كان ياسر القحطاني معه في الهلال، وعموري في العين، وخلفان في السد. غالبا، لا يستمر كوزمين في فريق لمدة عامين، وقع مع العين ثلاثة أعوام وغادر بعد عامين للجار الأهلي، في قضية شائكة ما زالت تستدعى من خزائن الذاكرة مع كل ذكر لاسمه، وأججت الصراع بين مدربي ومسؤولي الناديين، ويقول في هذا: عامان كافيان لأي مدرب لتحقيق بطولة الدوري مع أي فريق منافس. والحقيقة أنه فعل مع كل الفرق التي دربها، عدا السد الذي اكتفى معه بكأس فقط، والحقيقة التي تقبل الشك أن كوزمين حفظ وفهم الثقافة الخليجية جيدا وأجاد استثمارها في مفاوضاته التي قفزت بعقده من 600 ألف يورو مع الهلال في أول موسم إلى أربعة ملايين ونصف المليون مع أهلي دبي في سبعة أعوام قضاها فقط في الخليج. في رومانيا، يُصف كوزمين إلى جانب الساسة ورجال الأعمال شهرة وثراء، وطوال أربعة أعوام مضت فشلت كل محاولات الرومانيين معه لقبول تدريب المنتخب الأصفر، فريق بلاده الوطني، وعندما يُسأل عن ذلك، يكتفي بالابتسامة وفرك سبابته على إبهامه، وإن أُعيد السؤال بإلحاح يرد باقتضاب ومهنية: أنا مرتبط بعقد احترمه. أولاريو كوزمين قبل بمهمة تدريب المنتخب السعودي دون أن يطلب ريالا واحدا، وهي المرة الأولى التي لا يتحدث فيها عن المال عند بدء أي مفاوضات، لماذا؟ لأنه رجل ذكي جدا، ولأن في نفسه جرح غائر وهذه فرصة سانحة لا تتكرر لاصطياد عصافير عديدة في شهر واحد، ووضع نقطة في آخر سطر من تلك القصة المزعجة. إنه كوزمين الرجل الذكي جدا الذي يدير أموره مع الخليجيين كواحد ولد بينهم. مقالة للكاتب بتال القوس عن جريدة الاقتصادية