تفاقمت الأزمة السياسية القائمة منذ زهاء ستة أشهر في بلجيكا اليوم حيث قدم رئيس الحكومة المكلف الفلمنكي ايف ليترم استقالته للمرة الثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر وتخليه عن مهمة تشكيل ائتلاف وزاري جديد في البلاد. وابلغ ليترم العاهل البلجيكي الملك ألبرت الثاني الذي اجتمع اليه بشكل طارئ اليوم بقراره التخلي رسميا عن محاولات تشكيل وزارة جديدة تضم ممثلين عن الأحزاب الاجتماعية المسيحية والليبرالية التي كسبت المعركة الانتخابية في يونيو الماضي. وقال القصر الملكي في بلجيكا في بيان مقتضب انه قبل استقالة رئيس الوزراء المكلف فيما كشف مصدر في القصر الملكي ان العاهل البلجيكي سيقوم باصدار بيان جديد حول هذه التطورات في وقت لاحق. وقال ليتارم في بيان للصحفيين بعد مغادرته القصر الملكي في بروكسل ان كافة محاولاته لتقريب وجهات النظر باءت بالفشل. وانهارت جهود زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي الفلمنكي ايف ليتارم بعد ان رفضت الأحزاب الفرانكفونية التي تمثل مقاطعة والونيا الناطقة بالفرنسية خطته لدمج الإصلاح المؤسساتي ونقل صلاحيات الدولة الاتحادية للمقاطعات في برنامج الحكومة القادمة. كما اشترط ليتارم على شركائه الفرانكفونيين ان تتولى الحكومات المحلية تمويل جوانب من أنشطة المؤسسات وهو ما يعني نهاية الإدارة المشتركة لسوق العمل وقطاع الضرائب الحيوي. ويأتي هذا التطور الجديد ليغرق بلجيكا في أزمة مؤسساتية وأزمة ثقة بين مكوناتها العرقية وبشكل غير مسبوق في تاريخها ومنذ قيامها كدولة موحدة عام 1830م. ويقول الفرانكفونيون ان مهمة رئيس الحكومة المكلف ايف ليترام قد انهارت لانه رضخ للمطالب القومية للفلمنكيين الطامحين في الحصول على الاستقلال التام بينما يقول الفلمنكيون ان ممثلي الأحزاب الفرانكفونية يريدون ان تستمر مقاطعة الفلادنر الشمالية الثرية الى ما لا نهاية في تمويل العجز الاقتصادي وسوء الأداء الإداري والتسيب الواضح الذي تعاني منه مقاطعة والونيا الفقيرة التي تصل نسبة البطالة فيها الى زهاء 22 في المائة من القادرين عن العمل مقارنة بأربعة في المائة فقط من مقاطعة الفلاندر. ومن المرجح ان تتصاعد النعرات الطائفية والعرقية في بلجيكا بعد هذا التطور الخطير .. ويضارب المراقبون في بروكسل على تكليف زعيم الحزب الليبرالي الفرانكفوني ديديه راندرس بمهام تشكيل الوزارة المقبلة. ولكن هذا الخيار لن يكون قادرا على تجاوز المعضلة السياسية التي تعاني منها البلاد بسبب اصرار الفلمنكيين على الشق الخاص بإصلاح هياكل الدولة الاتحادية ووضع حد للسيطرة الثقافية الفرانكفونية على عدد من مناطق المقاطعة الفلامنكية وخاصة لتلك المتاخمة للعاصمة بروكسل والتي تمثل لب الصراع الطائفي القائم حاليا. وتتابع الأوساط الأوروبية والأطلسية بقلق كبير تطورات الأزمة السياسية في بلجيكا التي تعكس حسب المراقبين تنامي النعرات الطائفية والعرقية في العديد من الدول الأوروبية وتنذر بإعادة رسم الحدود الداخلية للتكتل الأوروبي هذه المرة وليس مجر التفكير في حدوده الخارجية. وبات الاعتماد على المؤسسات الأوروبية وتشريعاتها النافذة يوما بعد يوم وعلى صلابة العملة الأوروبية الموحدة اليورو يعوض تدريجيا لدى سكان العديد من المقاطعات الأوروبية مثل بلاد الباسك وكاتالونيا في اسبانيا وجزيرة كورسيكا في فرنسا ومنطقة شمال ايطاليا الانتماء القومي ويجعل من أوروبا الموحدة مظلة مشتركة للعديد من الشعوب الصغيرة والتي لازالت حتى الآن تحت مظلة الدول المركزية وهيمنتها المطلقة. ومن المقرر ان يبحث زعماء التكتل الأوروبي الذين سيجتمعون في بروكسل في الرابع عشر من ديسمبر الجاري بشكل غير رسمي ولكن بتركيز كبير تطورت الأزمة السياسية في بلجيكا وتداعياتها على وضعية مؤسسات التكتل الأوروبي التي تتخذ من بلجيكا مقرا لها. وترددت العديد من الدعوات في الآونة الأخيرة التي تطالب بتحويل بروكسل إلى عاصمة اتحادية وتمكين سكانها من تمويل أوروبي في مجال الضرائب المستحقة على الموظفين الأوروبيين والمؤسسات الاتحادية أسوة بما هو معمول به في العاصمة الأمريكيةواشنطن. // انتهى // 1810 ت م