أعلن القصر الملكي في بروكسل أن العاهل البلجيكي ألبرت الثاني قرر توسيع دارة الاتصالات مع الفعاليات السياسية في البلاد للخروج من الأزمة الحادة التي تعصف بهياكل الدولة الاتحادية منذ أكثر من خمسة أشهر. وقرر الملك ألبرت الثاني إجراء اتصالات مع كافة ممثلي الأحزاب الرئيسة في البلاد وفي المقاطعتين الفرانكفونية والفلمنكية بدءا من اليوم الاثنين وفي آخر محاولة للخروج من المأزق السياسي غير المسبوق الذي يعصف بالبلاد نتيجة تصاعد حدة المشادات والتنافر بين الطائفيتين الرئيسيتين في البلاد. وكان البرت الثاني أجرى اتصالات مع كل من رئيس مجلس النواب البلجيكي هرمن فان رومباي ورئيس مجلس الشيوخ ارمان ديديكرفي سعي إضافي منه لحلحلة الاتصالات بين مختلف مكونات الطبقة السياسية البلجيكية. ولا تزال الخلافات حول تشكيل حكومة إتحادية في بلجيكا تتمحور حول عنصرين رئيسين يمثلان محور الخلاف بين الطائفتين الرئيسيتين وهما أولا حسم الوضعية الإدارية وعلى الصعيد اللغوي للمنطقة المتاخمة لبروكسل ذات الإنتماء الفلمنكي ولكن تقطنها غالبية من الفرانكفونيين وثانيا الإتفاق على برنامج محدد وأجندة مفصلة لإصلاح هياكل الدولة الاتحادية ونقل عدد من صلاحياتها إلى المقاطعات وقبل تشكيل أية حكومة جديدة ووصلت كافة محاولات الخروج من الأزمة الحالية إلى طريق مسدود ويتصاعد الجدل بين الطوائف المختلفة عبر وسائل الإعلام بشكل خطير مما بات يهدد بوضوح الهياكل الاتحادية لبلجيكا. ورغم ظهور العديد من مظاهر الدعم الشعبي لتشكيل حكومة جديدة وإنقاذ الدولة الاتحادية فإن مختلف إستطلاعات الرأي ومواقف رجال السياسة تشير إلى تنامي متصاعد للنزعات الإنفصالية. وأعلن رئيس الحزب الإشتراكي الفرانكفوني ايليو ديريبو وهو أكبر حزب سياسي في مقاطعة والونيا رفضه للمشاركة في الاتصالات الجديدة مع الملك البلجيكي . وقال ديربو في تصريح للإذاعة الحكومية //إنه يشترط اعتذارا رسميا من قبل الفلمنكيين عن مطالبهم اللغوية في ضواحي بروكسل كشرط لاستئناف الاتصالات السياسية معهم// . ولكن الحزب الفلمنكي الأكثر أهمية وهو الحزب الاجتماعي المسيحي والذي ينتمي إليه المفاوض المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ايف ليترم أعلن بدوره أنه لن يشارك في أي حكومة مقبلة طالما رفض الفرانكفونيون وكشرط مسبق الإقرار بضرورة إحداث إصلاح على هياكل الدولة الاتحادية أي نقل العديد من صلاحياتها الجوهرية مثل قطاع العمل والعدل والنقل إلى المقاطعات المحلية. وقال زعيم حزب الاجتماعيين المسيحيين الفلمنكيين جو فان ديرزين //أنه ليس بالإمكان وجود حكومة في بلجيكا ما لم تستطع التعامل مع التعديلات الدستورية// . وأقترح الملك ألبرت الثاني على رئيس الوزراء المكلف ايف ليترم إسقاط التعديلات الدستورية من برنامج حكومته المقبلة وإحالة الموضوع إلى مناقشة برلمانية موسعة يمكن أن تستغرق أعواما وهو ما يرفضه الفلمنكيون بشدة ويتشبث به الفرانكفونيون. وفي حالة فشل الاتصالات السياسية الحالية والتي تترافق مع شلل المفاوضات بشأن تشكيل حكومة جديدة فإن الخيارات المطروحة أمام السياسيين تضل محدودة وتتمثل في البحث عن إئتلاف حكومي جديد ولكن بدون الأحزاب الرئيسية وهو أمر مستبعد أو تشكيل حكومة إنقاذ وطني وهو أمر يرفضه الإشتراكيون الفرانكفونيون أو الدعوة إلى إنتخابات مبكرة وكل ما يحمله ذلك من مخاطر فوز المتطرفين ودعاة الانفصال بشكل نهائي هذه المرة . ودعت العديد من المنظمات والجمعيات المؤيدة لوحدة بلجيكا الى مظاهرة يوم الأحد المقبل في بروكسل للضغط على السياسيين البلجيكيين في هذه المرحلة. وستحدد نسبة المشاركة في هذه المظاهرة التي يتم الترويج لها عبر شبكة الإنترنيت وفي مجمل وسائل الإعلام المحلية مدى وقع الأزمة الحالية على الشارع وطبيعة دعم هذه الطائفة أو تلك لاستمرار الطابع الاتحادي للدولة من عدمه. ويرى الدبلوماسيون أن بلجيكا التي تحتضن مؤسسات التكتل الأوروبي المختلفة وهياكل حلف الناتو العسكرية والمدنية ضلت حتى الآن نموذجا فعليا لعملية الاندماج السياسي والطائفي على المستوى الأوروبي ولكن الأزمة التي تعصف بها قد تجعل التكتل الأوروبي وللمرة الأولى يصب اهتمامه ليس على رسم حدوده الخارجية وكما هو مطروح حاليا بالنسبة للتعامل مع تركيا ودول البلقان بل إعادة التفكير في حدوده الداخلية نفسها حيث أن دولا أخرى مثل أسبانيا وإيطاليا وفرنسا تعاني من نفس الداء الطائفي والعرقي الذي ينخر بهيكل الدولة البلجيكية0 //انتهى// 1404 ت م