إعداد/ حسن آل عامر تصوير / علي الشهري لم تعد شلالات الماء العذب التي تنساب من أعالي جبال تنومة خلال مواسم الأمطار، المنظر الوحيد الذي يجذب الأنظار ويثير الدهشة، فعندما يقرر الشخص الصعود إلى قمم تلك الجبال الشاهقة، يفاجأ بلوحات فنية طبيعية تزين السفوح التي تنحتها الرياح الموسمية والأمطار الغزيرة منذ آلاف السنين مما شكل نقوشاً ومنحوتات طبيعية نادرة. وتقع محافظة "تنومة" شمال منطقة عسير على الطريق الواصل بين مدينتي الطائف وعلى بعد 150 كيلومتراً من مدينة أبها، ويشير الدكتور صالح أبو عراد في كتابه "تنومة .. زهراء السروات" الصادر عام 2020 عن نادي أبها الأدبي إلى أن "إقليم تنومة الجغرافي يمتد من الشمال إلى الجنوب بعرض يبلغ حوالي 25 كيلومتراً، ومن الشرق إلى الغرب بطول حوالي (80) كيلومتراً، وهذا الإقليم تغطيه في الغالب غابات كثيفة وبخاصة في شمال المنطقة حيث يغطي شجر العرعر معظم المرتفعات، وكذلك شجر الشث والطلح وبعض أنواع الحشائش". وأسهم العمق التاريخي والتنوع الجغرافي لجبال تنومة في احتضانها العديد من المواقع الأثرية والنقوش التاريخية، والتجاويف الصخرية التي تميزت بها تنومة ويعتقد المختصون أنها تكونت بفعل عوامل التعرية على مدى آلاف السنين، وتبرز في "تنومة" عدة جبال عرفت بصلابة صخورها وعذوبة الماء الذي يتسلل من منحدراتها ليسقي المزارع والمواشي وخاصة في أوقات الأمطار الموسمية. وفي حديثه عن تلك الجبال يقسمها الدكتور أبوعراد إلى مرتفعات جبلية شرقية، وتتكون من سلسلة جبال منعا، وجبل عكران، وجبل الجَرداء، وجبل الفَرش، وفي شمال الإقليم جبل لنبش، وجبل غلامه ثم مرتفعات غربية، وتتكون من عدة جبال متناثرة بعطان، والمنامة، وجبل عبد الله، وجلالة، والفطحاء، والقضية، والطويلة، والحمام، وجبل عيسى، وجبال آل سودة، وجبل مَومَة في الجهة الشمالية الغربية من تنومة. و"منعا" سلسلة جبال ضخمة سميت بهذا الاسم لأنها منيعة وحصينة وذات تضاريس صعبة لا يستطيع تجاوزها والتأقلم معها إلا أهلها الذين خبروها منذ مئات السنين، و تتكون هذه السلسلة من مجموعة من الجبال المتصلة التي تشكل في مجموعها جزءاً من سلسلة جبال السروات، وتمتد من الجنوب إلى الشمال، وتعرف أعلى قمة في هذه السلسلة باسم جبل (طلا)، وتحيط بهذه القمة القرى القابعة على سطح هذه السلسلة الجبلية والتي تشار على امتدادها، ومن هذه القرى عتمة، وترتع، وآل سيّارة، وآل رزيق، والبطن. ويتميز "جبل عكران" بكثرة الآثار التي يضمها حيث يشكل كتلة صخرية ضخمة بارتفاع شاهق، وينفرد بتكوينه الصخري الضخم، وكهفه الكبير الذي يطل على الجهة الغربية من الجبل، ويعد الجبل من عوامل الجذب السياحي والتراثي في تنومة، حيث تنساب من أعاليه شلالات الماء العذب وخاصة أثناء هطول الأمطار الموسمية في الصيف، في منظر أخاذ يتوافد على مشاهدته وتوثيقه مئات الزائرين كل يوم، ثم يكتسي بعد ذلك بالرداء الأخضر. ومن أبرز الآثار التي يحتويها جبل "عكران" مسجد يصفه الدكتور أبوعراد بأنه (عبارة عن بقايا لمبنى حجري واحد لا سقف له طوله حوالي 7.5 م، وعرضه 3.5 م، وله من الداخل ما يُشبه المحرابين ويتجهان معاً إلى جهة القبلة، ويلاحظ أن أحدهما في الجهة اليمنى الأمامية للمسجد، والثاني في الجهة الأمامية اليسرى منه، والمسافة بينهما قرابة المترين، وفي هذا المسجد فتحةٌ واحدةٌ في الجهة الجنوبية المقابلة للمحرابين وهي صغيرة نسبياً، وتمثل مدخلاً يؤدي إلى المسجد، وفي الجهة الغربية من المسجد توجد بقايا بناء حجري على ارتفاع قليل نسبياً وملاصق للمسجد، وكأنه كان مكاناً خاصاً بالوضوء أو نحو ذلك). وإلى الغرب من المسجد يقع أحد أهم المواقع الأثرية في "تنومة" وهو كهف جبل عكران، وهو عبارة عن "مغارة واسعة الفوهة، كبيرة المساحة تخترق الجبل بشكل يصعب معها رؤية ما بداخلها بوضوح إلا بعض الأحجار والأتربة والفجوات المختلفة الحجم، والتي قد يصل عددها إلى عشر فجوات تقريبا". والطريق إلى الكهف صعب جداً ولكن ينقل عن بعض كبار السن في "تنومة" أنهم كانوا يصلون إلى داخله في مراحل شبابهم وخاصة رعاة الأغنام الذين يستظلون أو يستريحون داخله لبعض الوقت. ولا تقتصر آثار جبل "عكران" على المسجد والكهف بل إن النقش الصخري الذي يقع تحت فتحة الكهف والمعروف ب"الحنش والحية" يشير إلى أن المكان يحمل أسراراً تاريخية لم تكشف بعد، حيث يبدو النقش على شكل ثعبان ضخم بلون أحمر وبجواره حية ضخمة ذات لون أسود، وكذلك توجد في جبل "منعا" رسوماً ونقوشاً أثرية من أبرزها نقش لطيور النعام ونقوش أخرى تمثل بعض أنور الطيور إضافة إلى رسومات لخيول وغزلان وجمال. وعرُف "جبل عبد الله" بمياهه العذبة و بتكويناته الصخرية ذات الألوان والأشكال المتنوعة، ويحتوي الجبل – كما يصفه الدكتور أبوعراد – على قطع زراعية تُحيط بها غابات أشجار العرعر والطلح والعتم وغيرها من الأشجار التي تتميز بها جبال السروات. وتختزن جبال تنومة كغيرها من سلسلة جبال السروات الكثير من الكنوز الطبيعية المتمثلة في المعادن النفسية، إضافة إلى تميزها التجاري والتراثي منذ مئات السنين نظراً لوقوعها على ما كان يعرف ب "طريق الحاج اليمني"، مما أسهم في نشاطها الاقتصادي المعروف قديماً حيث كان يتم التبادل التجاري مع الحجاج وخاصة في المؤن الأساسية كالحبوب والملابس والقهوة.