32 مليون مكالمة ل 911    باكستان تؤكد استعدادها "للدفاع عن سيادتها" بعد تهديدات هندية    تتويج سيدات المبارزة في (الجولة الماسية) ببطولة المملكة    أمير منطقة جازان يرعى انطلاق المبادرة الوطنية "أمش 30"    200 ألف مشارك في الموسم الخامس من امش 30    انطلاق فعالية "امش 30" بالشرقية لتعزيز نمط الحياة الصحي    المملكة تفتح أبواب جناحها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    حج 2025: 70 ألف بطاقة نسك توزع يوميا    مقتل 4 وإصابة أكثر من 500 إثر انفجار ضخم في أكبر موانئ إيران    اشتراطات لممارسة الأنشطة المتعلقة بحماية البيانات الشخصية    نيس يعلن إصابة عبدالمنعم في الرباط الصليبي    التحول الرقمي في القضاء السعودي عدالة تواكب المستقبل    التغريدات لا تسقط الدول.. ولا المساحات تصنع السيادة    قوانين الفيزياء حين تنطق بالحكمة    250 شتلة تُزين فرع وزارة البيئة في عسير ضمن فعاليات أسبوع البيئة    دنيا حظوظ    مكافحة المخدرات معركة وطنية شاملة    الصبان رعى الختام .. اليرموك يخطف الأضواء والحريق والهلال في صدارة التايكوندو    الصادرات السعودية غير النفطية تسجّل أداءً تاريخيًا في عام 2024م    المؤسسة الدبلوماسية بالمغرب تمنح مدير عام الإيسيسكو الجائزة الدولية للدبلوماسية الشعبية    "المنافذ الجمركية" تسجل 1314 حالة ضبط خلال أسبوع    ثمار المانجو تعلن موسم العطاء في جازان    جيسوس: الفوز بهدف فقط أفضل من خسارة كانسيلو    مدرب السد يُحذر من مواجهة كاواساكي    بلدية قوز الجعافرة تكرم شباب القرية    جازان تصنع الحدث: إطلاق أول جمعية متخصصة بالتغذية العلاجية على مستوى المملكة    ثقافة الاعتذار قوة لا ضعف    رؤيتنا تسابق الزمن    ضبط (19328) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    أمطار رعدية ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    وزير التعليم يرفع التهنئة للقيادة بما تحقق من منجزات تعليمية    وزير الداخلية يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة النجاحات والمنجزات    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    أبها تتغطى بغطاءها البنفسجي    ريال مدريد ينتقد اختيار الحكم الذي سيدير نهائي كأس إسبانيا    وزير الصحة: تطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث أسهم في رفع متوسط عمر الإنسان في المملكة إلى 78.8 عامًا    بيراميدز يحقق ما عجز عنه الأهلي    وزير "البيئة" يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة وما تضمنه من إنجازات    زيلينسكي: أوكرانيا تريد ضمانات أمنية أمريكية كتلك التي تمنحها لإسرائيل    للمرة الثالثة على التوالي ..الخليج بطلاً لممتاز كبار اليد    نائب أمير تبوك: رؤية المملكة 2030 حققت قفزات نوعية وإنجازات    ثانوية الأمير عبدالمحسن تحصد جائزة حمدان بن راشد    أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة من منجزات في الأعوام التسعة الماضية    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    "حديث المكتبة" يستضيف مصطفى الفقي في أمسية فكرية عن مكتبة الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    تنفيذ ورشة عمل لاستعراض الخطط التنفيذية للإدارات في جازان    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى.
وقال في خطبته التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "إن لله عزوجل سننا ثابتة أقام عليها الكون وأحكم بها شؤون العباد، فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا ومن السنن الإلهية المطردة التي لا تتخلف أن الإنسان لا يحصُد إلا ما زرع ولا يجني إلا ثمرة غرسه ونِتاج عمله, وهذه حقيقة قد تضافرت عليها الأدلة من الكتاب والسنة قال جلّ وعلا: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وَقال جل ثناؤه: مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وفي الحديث القدسي: (.. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ).
وأضاف الدكتور غزاوي: "أننا نحن في هذه الدنيا الفانية منا من ينقذ نفسه فيربح ومنا من يهلك نفسه فيخسر قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَهُ فمعتقُها أو موبِقُها) فتذكر على الدوام قول الملك العلام مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ فأيَّ طريق تريد أن تسلك وأيَّ هَدي تروم أن تتبع فإن من يعمل في الدنيا بِطاعة اللَّه وطاعة رسوله فلن يزيغ عن طريق الحق، ولن يشقى في الآخرة كما قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولايشقى ومن يُعرض عن طاعة الله، ويَحيد عن منهجه ويأبى الخضوع له؛ فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء كما قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى إن هؤلاء نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ تركوا ذكره بِالعِبادة والثناء عليه، فتركهم من توفيقه وهدايته وكرامته، وتركهم يوم القيامة فِي عذابه.
ومضى فضيلته قائلا: "من أراد أن يكون حصاد زرعه حسنا وعاقبة أمره حميدة فليتمسك بدينه وليثبت عليه قال تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسلِمُونَ .. فحَافَظُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ صِحَّتِكُمْ وَسَلَامَتِكُمْ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَرِيم قد أجرى عَادته بِكرمه أَنَّهُ مَنْ عَاش على شيء مات عليه، وَمن مَات على شيء بُعث عليه. ومن أراد السعادة فليطلبها من مظانها مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ إنه كما قيل: إنك لا تجني من الشوك العنب، وكما تدين تدان؛ فكيف ينغمس غافل في المعاصي ويصر ولا يتوب ثم يرجو النجاة والفوز ومغفرة الذنوب وكيف يقطع عبد صلته بالله فيترك الصلاة وطاعة مولاه، ويريد انشراح صدره وطيب الحياة وكيف يجعل أحدنا ربه أهونَ الناظرين إليه في الخلوات مع خشيته من الناس أن تؤخذ عليه زلة من الزلات وكيف يرجو راج ربه أن يعافيه ويحفظه من الشرور والآفات والهلكات وهو لا يأخذ بأسباب العصمة من الفتن والثبات عند المصائب والملمات وكيف يتسخط ممتحن بشيء يسير من أقدار الله وابتلائه وينسى العافية التي هو فيها وأنه غارق في نعم الله وأفضاله وكيف يسيء امرؤ للناس على الدوام، ثم ينتظر منهم أن يحسنوا إليه ويُطيبوا له الكلام وكيف يلوم لائم هضم الناس حقوقه وأنهم مقصرون، مع تفريطه في واجباتهم وهم في نظره منصفون وكيف يعق عاق والديه ويرجو بعد ذلك بر أولاده ومن تحت يديه وكيف يشكو زوج زوجه من سوء عشرته، وقد يكمن الخلل في سوء أخلاق الشاكي ومعاملته وكيف يهمل راع تربية أولاده ولا يهتم بنصحهم وإرشادهم، ثم يتعجب لنسيانهم فضله وعصيانهم وكيف يبدد عائل ماله مسرفا في الكماليات وما لا فائدة فيه، ثم يسأل الناس ما يقضي به حوائجه وما يكفيه وكيف يسرف نهم في تناول طعامه وشرابه بخلاف هدي الشرع وآدابه، ثم يشكو اعتلال صحته وشدةَ دائه فلنتذكر قول الله العليم البصير وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ فالجزاء من جنس العمل؛ فمن زرع خيراً حصد خيراً ومن زرع شراً حصد مثله.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام في خطبته أن هناك من يزرع الخير في هذه الدنيا ويقدم لنفسه فيربح ربحا وفيرا ومغنما كبيرا ويرحل تاركا وراءه ثمارا يانعةً وظلالا وارفة ينعم بها من يأتي بعده ويخلفه.
وأضاف:" لنتأمل -رعاكم الله- قول الله تبارك وتعالى وكان أبوهما صالحا قال ابن كثير رحمه الله: "فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة" وحري بك عبد الله أن تدعو الله أن يجعل لك ذكرا جميلا وثناء حسنا بعدك تذكر به، ويقتدى بك في الخير كما دعا إبراهيم عليه السلام فقال: واجعل لي لسان صدق في الآخرين وانظر ما تبقيه بعدك من أعمال البر أو الإساءة قال تعالى: ونكتب ما قدموا وآثارهم ما قدموا من خير أو شر فعلوه في حياتهم وآثارهم ما سنوا من سنةِ خير أو شر فاقتُدي بهم فيها بعد موتهم.
ومضى يقول: "عباد الله: المرء مؤاخذ بجريرة عمله، وما نزرعه اليوم نحصده غدا فحذار من اتباع الهوى وملازمة العصيان؛ فكم من مستهين بحرمات الله حلت به عقوبة الله وخزيه ونكاله, وكم من معافى مستترٍ بالمعاصي جاهَرَ وبارز الله بالخطايا؛ ففضحه الله وهتك ستره وأظهر عواره. وكم من مظلوم دعا على ظالمه فأهلكه الله وانتقم منه وأرداه، وهكذا فكل امرئ ينال جزاءَ فعله, وإنه من يزرع الشر يحصد في عواقبه ندامة. ولا يغب عنا قول ربنا: ?مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ" .
وحذر فضيلته من الغفلة ولنذكر النقلة، ولننظر هل نحن على الجادة وعلى بينة من أمرنا أم قد غفلنا عما أمامنا وأننا سنجازى بأعمالنا قال ابن القيم رحمه الله: "كَمْ مِن مُسْتَدْرَجٍ بِالنِّعَمِ وهو لا يَشْعُرُ، مَفْتُونٍ بِثَناءِ الجُهّالِ عَلَيْهِ، مَغْرُورٍ بِقَضاءِ اللَّهِ حَوائِجَهُ وسَتْرِهِ عَلَيْهِ! وأكْثَرُ الخَلْقِ عِنْدَهم أنَّ هَذِهِ الثَّلاثَةَ عَلامَةُ السَّعادَةِ والنَّجاحِ، ذَلِكَ مَبْلَغُهم مِنَ العِلْمِ".
وأضاف فضيلته يقول الله تعالى فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى وفي هذه الآيات دلالة عَلى أنَّ فِعْلَ الطّاعَةِ يُيَسِّرُ إلى طاعَةٍ أُخْرى، وفِعْلَ المَعْصِيَةِ يَدْفَعُ إلى مَعْصِيَةٍ أُخْرى، وعَلى أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يُجازِي مَن قَصَدَ الخَيْرَ بِالتَّوْفِيقِ لَهُ، ومَن قَصَدَ الشَّرَّ بِالخِذْلانِ، وكُلُّ ذَلِكَ بِقَدَرٍ مُقَدَّرٍ.
وبين أن الفرق كبير والبون شاسع بين من يعمل خيرا فيطيب سعيه ومن يعمل سوء فيخيب سعيه؛ فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة القراء السبعين ليعلموهم عرضوا لهم، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، وأتى رجل حَرَام بنَ مِلحان، خالَ أنسِ بن مالك من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام:(فزت ورب الكعبة) وأنزَلَ اللهُ تعالَى في شأْنِ هؤلاء العظماء الذين قُتلوا قُرآنًا يُتْلى: (إنَّا قَد لَقِينا ربَّنا فرَضِيَ عنَّا وأرْضانا)، ثمَّ نُسِخَت تِلاوتُه.... فانظروا حرص الصحابي الجليل حَرامِ بنِ مِلْحانَ رضي الله عنه على الشهادة وفرحَه لنيلها وقد حصد بفضل الله ثمرة غرسه وفاز ببغيته وهؤلاء القراء الذين عاشوا على هدى أفلحوا ولما لقوا ربهم أكرمهم وأحسن وفادتهم ووفاهم أجورهم ورضي عنهم وأرضاهم. ولما تمادى عتيبة بن أبي لهب في سب النبي صلى الله عليه وسلم وأذيته ووقوعه في عرضه وتهكمه به كان عاقبة أمره خسرا فقد اشتهر في مرويات السيرة أنه خَرَجَ نفر مِنْ قريش حتى نزلوا فِي مكان من الشام، فجمعوا أحمالَهم فَفَرَشُوا لعُتَيْبَة عَلَيْهَا وَنَامُوا حَوْلَهُ، فَأَطَافَ بِهِمُ الأَسَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَجَعَلَ عُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلُ أُمِّي هُوَ وَاللهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ، فعدى عَلَيْهِ الأَسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فشقه فَمَاتَ مَكَانَهُ ".فانظروا كيف نالته نقمة الله وحصد سوء فعله وجوزي شر الجزاء على ما كان يقابل به رسول صلى الله عليه وسلم من الاستهزاء والتنقص وكذا طالت العقوبة أباه أبا لهب الذي جاهر بعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكتف بمعارضته بل عمل على الكيد له وأذيته وصدِّ الناس عنه، وكذا زوجته؛ فقد كانت عونا له على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وتسلطت عليه بلسانها وحملت عليه حملةَ إيذاء وسخرية واستهزاء، كان شعارها " مُذمَّمًا قَلَيْنا، ودِينَه أبَيْنا، وأمرَه عَصَيْنا " وكانت تضع الشوك في طريقه فماذا كان الجزاء؟ ولمن كانت الغلبة؟ الجواب والبيان في سورة المسد التي بينت كيف حصد الخاسران المذممان، أبولهب وامرأته حمالةُ الحطب، الدمارَ والعطب، بسبب سوء فعلهما وقبيح جرمهما، وما كان الله ليخذل نبيه صلى الله عليه وسلم بل يكرمه ويعزه وينصره قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من خصه الله بالفضائل فقد أراد به خيرا كما قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي وخاف على نفسه كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتَكسِب المعدوم وتَقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فاستدلت بعقلها على أن من جعل الله فيه هذه المحاسن والمكارم التي جعلها من أعظم أسباب السعادة لم تكن من سنة الله وحكمته وعدله أن يخزيه بل يكرمه ويعظمه فإنه قد عرف من سنة الله في عباده وإكرامه لأهل الخير وإهانته لأهل الشر ما فيه عبرة لأولى الأبصار ).
وفي المدينة المنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي في خطبة الجمعة اليوم عن العبرة بقصص القرآن, موصياً المسلمين بتقوى الله عز وجل سرا وجهداً.
وقال: "في القرآن الكريم قصص تحمل العبر والعظات وقد قص الله علينا قصة الخلق الأول آدم عليه السلام وزوجه حواء تلك القصة التي تجسد فيها الصراع مع الشيطان هذا الصراع الذي تنامى ومضت سنة الله ان يبقى ما بقي بنوا آدم وعدوهم ابليس حتى يرث الله الأرض ومن عليها ,تكرر ذكر هذه القصة في مواضع عدة من القرآن لما اشتملت عليه من مقاصد جليلة وعظات بليغة قال الله تعالى(يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
وأضاف فضيلته: "الله تعالى أباح لخلقة الطيبات ووسع عليهم في المأكل والمشرب فاتسعة دائرة الحلال وضاقت دائرة الحرام ومع ذلك تغلب النفس الآمارة بالسوء صاحبها فيستشرف للمنوع ويتخطى حدود المباح فيحوم حول الحمى ويعظم كيد الشيطان ووسوسته فيرتكب المنهي عنه ولذا لما قال الله لهما (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) نهى عن قربانها سد لذريعة الاكل منها الذي هو مقصود النهي ولم يزل الشيطان بآدم يدلي بغرور يوسوس بمكر ويقسم بغدر حتى ذاق الشجر ومنها جاءت دعوة الحق الى سلوك المنهج الوقائي بالتحذير من القرب من حمى الحرام صيانة للنفس وتحصينا للأخلاق وحماية للمجتمع وتربية للوقوف على حدود الله.
وأشار إلى أن الوقوع في الشرك لا يقع الا بالاقتراب من وسائلة التي نهي الله عنها وما وقع من وقع في البدعة إلا بتساهله بالجلوس إلى أهل البدع ومطالعة كتبهم والركون اليهم وما استمرأ أحد الكبائر إلا بوقوعه في الصغائر وإصراره عليها, منبهاً إلى أن التقنية الحديثة إلا وسيلة يتوصل بها المقصود شريفا كان أم وضيعا فيوشك من يحوم حلو الحمى ويخلو بها ويفارقها أن تذهب بصلاته وأخلاقه ووقته وتتبدل الطاعة بالمعصية والأنس بالله بوحشة القلب.
وبين أن الآيات علمتنا أن من اقترب مما نهى الله عنه فضلا عن ارتكاب المقصود بالنهي فهو ظالم لنفسة (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) ويقد يظلم المرء نفسه بالوقوع بالشبهات المقضية للمحرمات في المطعم والمشرب والملبس وفي حقوق الوالدين والأرحام وفي الأموال والمعاملات وما يشوبها من ربا وغش واختلاس.
وفي ختام خطبته حذر الشيخ الثبيتي من وسوسة الشيطان الذي يقعد لابن آدم كل مرصد ولن يقلع عن طبعه الذي جبل عليه من عداوة البشر يزين الباطل ,يهون المعصية ,يجمل الاسترسال في العلاقات المحرمة بين الجنسين, يحقر في أعين الخلق ما هو عظيم عن الله ويشكك في الثوابت والعقيدة ,فالمعصية تنتهك ستر ما بين الله وعبده وإذا ذهب الستر انكشفت السوأة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.