شهدت مسيرة التعليم في المدينةالمنورة تطوراً متلاحقاً منذ توحيد المملكة, حيث عنيت الدولة على مدى العقود الماضية على التعليم بوصفه الركيزة الأساسية لتنمية وتطوير وبناء الوطن وازدهاره. وتنتشر اليوم ما يقارب 1900 مدرسة في أرجاء منطقة المدينةالمنورة والمحافظات والمراكز والقرى التابعة لها, يدرس بها نحو 450 ألف طالب, فيما يدير العملية التعليمية أكثر من 26 ألف معلم ومعلمة, كما افتتحت الجامعات والمعاهد التي تدرّس مختلف التخصصات النظرية والعلمية والتقنية والفنية لتلبية احتياجات سوق العمل من الكفاءات والأيدي العاملة الوطنية. ويتحدّث الباحث المهتم بالتاريخ الدكتور فؤاد المغامسي عن مسيرة التعليم في المدينةالمنورة على مدى 91 عاماً، مبيناً أن من أهم الخطوات التي قام بها مؤسس البلاد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - سواءً من النواحي الأمنية والاقتصادية والتعليمية هو ربط المدينةالمنورة بكامل النظام العام للدولة, فكان توحيد المناهج جزءاً من النقلة التي شهدتها المدينةالمنورة, ولم تعهدها من قبل. ويضيف المغامسي, كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حريصاً على التعليم, ونشر الأمن وتثبيته, والتنظيم الإداري في الحجاز فالتقى العلماء بمكة المكرمة, وتشاور معهم في الوسائل التي تخدم العلم ونشره, وأعلن مديرية المعارف في غرة رمضان سنة 1344ه الموافق 16 مارس 1926م, فتشكّلت أجهزة الإدارة المختلفة, وأصبحت المدينةالمنورة مرتبطة بالمعارف العمومية المرتبطة بالنيابة العامة في الحجاز, وبعد سنة تم إنشاء مجلس يشرف على التعليم, فكانت أول مهامهم التي قام بها هو توحيد مناهج التعليم, والإشراف على وضع أسس لمختلف المراحل التعليمية, وبعد ذلك عمّمت على جميع أرجاء البلاد. واستعرض المغامسي مسيرة التعليم بعد توحيد المملكة مبيناً أنها مرّت بثلاث مراحل الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، وتختلف مدة كل مرحلة عن الأخرى, حتى صدر نظام التعليم 1347ه/1928م فتم بموجب النظام الصادر تعيين مناهج التعليم الابتدائي وعدد سنوات الدراسة، وكذلك الإعدادي، والثانوي. وأشار إلى أن المدرسة الأميرية الابتدائية الناصرية التي تأسست عام 1344ه/1925م تعدّ بمنزلة معتمدية المعارف في المدينةالمنورة حتى 1360ه/1940م, فكانت تشرف على المدارس والكتاتيب في المدينةالمنورة، وفي أواخر عام 1373ه/1953م تأسست إدارة التعليم بالمدينةالمنورة. وبيّن المغامسي أن ما كان يعرف ب "الكتاتيب العلمية" نشطت حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري والقرن العشرين الميلادي، ولكن مع توسّع الدولة, وانتشار المدارس نتيجة الإقبال الشديد عليها, تم ضمّ الكتاتيب إلى المدارس التحضيرية بناءً على طلب العاملين، وذلك بعد موافقة مجلس المعارف، ولكن استمرت بعض الكتاتيب بدورها التعليمي حتى عام 1373ه/1953م، وأخذت بعد ذلك بالتلاشي التدريجي نتيجة انتشار المدارس الحكومية النظامية، التي وفّرت المناهج التعليمية الحديثة، والمباني الدراسية المهيأة. وبيّن الباحث التاريخي الدكتور فؤاد المغامسي أن تعليم البنات في المدينةالمنورة في بداياته كان مقتصراً على بيوت المدرّسات حيث يتم تعليم القرآن الكريم فيها، وأيضاّ تعليم القراءة والكتابة، وبعض أحكام الصلاة والصيام، والسيرة النبوية، والحساب، والأشغال اليدوية، وقد ورد أنه في 16 شوال 1356ه/19 ديسمبر 1937م، كان هناك 500 طالبة يدرسن في ستة كتاتيب آنذاك. وأوضح أن الدراسة كانت تنقسم إلى مرحلتين, الأولى المرحلة التحضيرية، والثانية المرحلة الابتدائية، وقد تم دمجها في عام 1361ه/1942م، ومن أبرزها المدرسة التحضيرية الأولى التي تأسست في عام 1344ه/1926م في الجهة الشمالية في المسجد النبوي، ثم انتقلت إلى المدرسة الناصرية, ثم تأسست المدرسة التحضيرية الثانية, ومدارس قباء التحضيرية, والجرف التحضيرية, والعوالي, والعنبرية. وأفاد بأن إنشاء المدارس الابتدائية في المدينةالمنورة بدأ في العام (1344ه/1926) بالمدرسة الناصرية, ثم المدرسة المنصورية عام (1344ه/1926), ثم مدرسة النجاح النموذجية (1353ه/1934م), ومدرسة قباء الابتدائية (1368ه/1949م), ومدرسة التجويد والقراءات أبي بن كعب (1352ه/1933م). وأضاف قائلاً : ولحرص الملك عبدالعزيز على تعليم أبناء البادية تم إصدار نظام المدارس القروية في 15 رمضان 1346ه الموافق 23 أغسطس 1945م, وكان الهدف من إصدار تعميم لإنشاء هذه المدارس هو تعليم جميع فئات المجتمع البادية والحاضرة داخل المدينةالمنورة وليس التركيز على المساحة الضيقة داخل الأسوار, فقد شملت ضواحي المدينةالمنورة, فأتيحت الفرصة للكبار والصغار على حد سواء، وكانت مدة الدراسة بها أربع سنوات، وقد راعى في دوام هذه المدارس خصوصية الوقت بما يناسب أبناء البادية والقرى، وقد حُدّد النظام أن يكون عدد الطلاب في المدارس القروية بما لا يزيد عن ستين طالباً. ومن المدارس القروية في المدينةالمنورة المدرسة السعودية بالقبلتين التي تأسست عام (1368ه/1949م), والمدرسة السعودية بذي الحليفة (1368ه/1949م), ومدرسة الحسين بن علي رضي الله عنه بالعوالي (1369ه/1950م), ومدرسة حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه (1372ه/1952م), ومدرسة صقر الجزيرة (1373ه/1953م), والمدرسة الفيصلية (1373ه/1953م), والمدرسية المحمدية (1373ه/1953م). وفي ذات الوقت أنشئت عدد من المدارس الأهلية التي كان بعضها بالأصل قائماً، ولكن تم العمل على تنظيمها وتطويرها، وكانت تقام بجهود ذاتية وتبرعات شخصية ومن المدارس الأهلية التي تأسّست في بداية العهد السعودي بالمدينةالمنورة مدرسة دار الحديث (1350ه/1932م), والمدرسة الخيرية (1351ه/1933م), ومدرسة التهذيب الخيرية (1352ه/1934م), مدرسة دار الأيتام (1352ه/1934م), ومدرسة العلوم السلفية(1367ه/1948م). وأوضح المغامسي أنه في بداية العهد السعودي لم يكن هناك تعليم متوسّط, بل كان مدمجاً مع التعليم الثانوي في مرحلة واحدة، بل كان يطلق في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على المدارس فوق المرحلة الابتدائية اسم المدارس الثانوية. وأضاف وفي عام 1359ه/1940م تقدّم عدد من أعيان المدينةالمنورة إلى الملك عبدالعزيز بطلب فتح مدرسة ثانوية، فتمّت موافقة الملك عبدالعزيز, وتم افتتاح أول ثانوية في المدينةالمنورة، وافتتحت 1361 - 1362ه/1942 -1943م، فكان أول مقرها في دور السنبلية خارج الباب المجيدي شمال المسجد النبوي، وأطلق عليها اسم ثانوية طيبة، وبدأت الدراسة فيها يوم الثلاثاء 12 ذي القعدة 1362ه الموافق 10 نوفمبر 1943م بفصلين " الفصل الإعدادي" ويقبل فيه الطلاب الحاصلون على الشهادة الابتدائية وفق النظام الجديد وكان عددهم ثلاثة وثلاثين طالباً, و"فصل السنة الأولى" وفيه تم قبول الطلاب الحاصلين على الشهادة الابتدائية على النظام القديم وكان عددهم ثمانية عشر طالباً. وقد أسهمت ثانوية طيبة بنهضة علمية في المدينةالمنورة حيث بلغ عدد طلابها عام 1370ه/1950م مائة وثمانية طلاب، يدرّسهم 14 مدرساً، وأخذت القرارات التعليمية في التطور واستمرت الحركة التعليمية في الازدهار منذ توحيد المملكة في عهد المؤسس وإلى يومنا هذا.