تبرز سماحة الإسلام ويسره أنه فرض الحج مرة في العمر على المستطيع في أيام معدودة يرجع فيها من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فأي شيء أعظم من هذا ! قال تعالى: ۞ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية بتصرف يسير ورفع الحرج مراعية أحوال الحجيج وحاجاتهم ، فلا إثم على المتعجل ولا المتأخر . وأوضحت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام و المسجد النبوي ضمن مبادراتها التي أطلقتها لحج هذا العام أن من معالم الوسطية في الحج قول الله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾. حيث كان الناس في الجاهلية إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا ولا بيتا ولا دارا من بابه، فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته ليدخل منه ويخرج أو يتخذ سلما فيصعد منه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل ولا يخرج من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك بِرّا . [ تفسير البغوي باختصار يسير ] ثم جاء الإسلام بشريعته الوسطية السمحة فوضع ( عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) ومن أبرز سمات الوسطية والسماحة في الإسلام أن الحج ركن من أركان الإسلام ، إلا أنه لا يجب إلا على المستطيع ، قال تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" وأن الحج لا يجب على المسلم إلا مرة واحدة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا أيها الناس ، كتب عليكم الحج " . قال : فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال : لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة ، فمن زاد فهو تطوع " . رواه أحمد وتحدثت المبادرة إلى أن من مظاهر الوسطية والاعتدال في الهدي النبوي في الحج أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرفق ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صبى الله عليه وسلم قال له : يا عمر إنك رجل قوي ، لا تزاحم على الحجر ، فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله ، فهلل وكبر " ، ومن مظاهر الوسطية والاعتدال في الهدي النبوي في الحج رفقه صلى الله عليه وسلم بأصحابه وأمته من بعده إذ هو قدوتهم صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ( متفق عليه ) . وعنه رضي الله عنهما قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه . [ رواه البخاري ] وهذا كله من باب التيسير ورفع الحرج وعدم المدافعة عند استلام الركن إلا بما تيسر. وفي مجال مظاهر التيسير في الحج تناولت المبادرة جواز تقديم بعض أعمال يوم العيد على بعض ، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : | ( زرت قبل أن أرمي ؟ ) ، قال : لا حرج ، قال : ( حلقت قبل أن أذبح ؟ ) ، قال : لا حرج ، قال : ( ذبحت قبل أن أرمي ؟ ) ، قال : لا حرج . [ متفق عليه ، واللفظ للبخاري ] وكذلك الإذن للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة إلى منى قبل الحجيج ، ( وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقدم ضعفة أهله ، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ، فيذكرون الله ما بدا لهم ، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع ، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ، ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة،وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم ) [ متفق عليه ] . وأشارت كذلك الى أن من مظاهر التيسير في الحج سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء ، حيث إنه يجب على الحاج إذا فرغ من حجه أن يطوف طواف الوداع ثم يرجع إلى أهله، لكن خُفف عن الحائض والنفساء ، فلا يجب عليهما البقاء في مكة حتى تطهران ثم تودعان ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف : عن الخائض .