إعداد : صالح علي آل زمانان تصوير : صالح الدغاري ما أن يحل فصل الشتاء في منطقة نجران، إلا ويتبادر موسم البُر لذهن كافة المزارعين وأصحاب المزارع على ضفاف وادي نجران في المدينة، أو في حبونا، وبدر الجنوب وبقية المحافظات الشمالية التابعة لنجران، بوصف البُر أيقونة من أيقونات المحاصيل الزراعية بالمنطقة بجانب الحمضيات والتمور، وباعتباره العنصر الأهم في مقادير المأكولات والأطباق النجرانية. ويعود تاريخ زراعة البُر وتاريخ الزراعة بشكل عام في نجران إلى العصور القديمة، حيث كانت التربة الزراعية الخصبة، والمناخ المعتدل، والمياه الوفيرة "الأمطار والآبار" من العوامل الرئيسة للمقومات الزراعية والأهمية الجغرافية التي حققتها نجران كواحدة من أهم واحات الطريق ومدن القوافل على طريق البخور القديم، وقد ظلت المنطقة على مميزاتها المناخية والجغرافية حتى يومنا هذا، وما زال أهلها مع تقدم الوقت وحداثة الحياة يهتمون بالجانب الزراعي، وبإنتاج المحاصيل. واستمر البُر قريناً لفصل الشتاء في أجواء المنطقة، سواءً من خلال الزراعة بوصف الشتاء هو فصل بذر البُر وريّه، وكذلك باعتباره القاسم المشترك في وجبات الشتاء في المنطقة، فتعد أطباق "وِفْد السمن والعسل" و"وِفْد السمن والمَحَض" و"وِفْد السمن والرُبّ" و"الحريكة بالطماطم"، و"المرضوفة" من الأطباق الشتوية الشهيرة بنجران، ويحتل البُر العنصر الرئيس فيها جميعاً. وفي قائمة أنواع البُر في المملكة، يظل بُر نجران الذي يسمى ب "السمراء" هو الأغلى على مستوى حبوب البُر، والمتميز بجودته، وبعدم اضافة أي مواد كيماوية في مراحل زراعته، ويبلغ متوسط سعر الكيس من البُر النجراني 300 ريال، بينما متوسط الأنواع الأخرى 120 ريال للكيس، حيث يُفضل أهالي نجران بُر "السمراء" على بقية الأنواع، ويشتريه البعض كهدية إلى مناطق المملكة أو دول الخليج، وذلك بسبب جودته العالية، جنباً إلى جنب مع تمر خلاص نجران، حيث يشكل هذان المحصولان ثنائية الإنتاج الزراعي الفاخر، برفقة أنواع الحمضيات التي تشتهر بها المنطقة. ويرى المزارعون في منطقة نجران أنّ جودة المحصول ترتكز على حراثة الأرض بشكل جيد وتركها عشرة أيام تقريباً دونما بذر الحبوب في الحقل, ثم يتم تشميس التربة فترة كافية حرصاً على إزالة الأعشاب الضارة، بعدها يتم ريّ الأرض وسقايتها بشكل جيد لضمان عدم ليونة حبوب القمح, لأن إهمال الري يؤدي لهشاشة حبات القمح. ويؤكدون أن موعد الحصاد يكون في بداية فصل الصيف، مستذكرين الطقوس القديمة والجميلة التي لم تعد موجودة اليوم للأسف، كاجتماع الأهل والجيران والأقارب في موسم الحصاد، والمشاركة جميعاً في العملية، وهم يقومون بترديد أناشيد وأهازيج خاصة بحصاد البُر، غالباً ما كانت تحتوي على حمد الله والثناء عليه والشكر على نعمة المحصول، باعثين في أنفسهم وفي المكان روح التفاؤل والسعادة. وتنتشر في كافة شوارع نجران وفي جميع جهاتها محال بيع البُر، فلا يمكن أن يخلو حي من إحدى المحلات المتخصصة، بعضها يفضل أن لا يبيع سوى البُر "حبوباً أو طحيناً"، وبعضها الآخر يبيع مع البُر أصناف القهوة والتمر والمكسرات، لكنهم يشتركون جميعاً في المصدر، حيث يقومون بشراء محاصيل البُر جُملة من أصحاب المزارع في نجران، ويأخذون أنواعه كلها، سواء السمراء أو الزراعي أو الصما، والتي جميعها تغذي السوق وتلقى رواجاً بين الناس. //انتهى//