رغم التقنيات الحديثة من أجهزة الحاسب الآلي باستخدام «السيد جوجل» في كتابة المقالات والشكاوى إلا أن الجميع متفقون على ضرورة تواجد كتاب المعاريض أمام الإدارات الحكومية، فتجدهم رغم حرارة الطقس يلتزمون مواقعهم منذ ساعات الصباح الأولى إلى منتصف الظهيرة، والابتسامة لا تفارق وجوههم، مستمعين لكل مستجير لعرض حالته وشكواه بكل رحابة صدر. العم محمد داوود يمارس المهنة منذ أكثر من 20 عاما: «مهنة كتابة المعاريض أمام الإدارات الحكومية قديمة، ويلجأ إلينا المواطنون بغرض كتابة معروض سواء لإنجاز معاملة أو تقديم شكوى وغيرها»، مشيرا إلى أن «البعض يكتب المعروض بخط اليد، فيما يتجه آخرون منذ عدة أعوام إلى كتابة المعاريض عن طريق الآلة الكاتبة، فيما يفكر كثير من أصحاب هذه المهنة في الاتجاه إلى منحى آخر وهو التأقلم مع معطيات العصر والتقنيات الحديثة باستخدام الحاسب الآلي، إلا أن هناك عائقا يقف أمامنا وهو تأمين الأماكن المناسبة، فلو أجرت الأمانة أكشاكا لأراحتنا كثيرا من حرارة الشمس وافتراش الطرقات». 10 ريالات ويصف محمد المولد كتابة المعاريض بأنه عمل ممتع جدا على الرغم من مشاق الكتابة: «تجدنا متمرسين في كتابة الشكوى أو إنجاز المعاملة، فهي وظيفة نخدم من خلالها مراجعي الدوائر الحكومية، وبنصيحة منا يمكن للمراجع أن يعكس اتجاه سيره إلى الخلف عندما يكون الإجراء غير مكتمل أو معاملته ناقصة وغير مستوفية للشروط حتى لا يضيع وقته وجهده، ومقابل عشرة ريالات تكون المعاملة جاهزة في سيرها نحو الحصول على الخدمة المطلوبة، فتجد كتاب المعاريض ملمين بجميع الأنظمة والقوانين الخاصة بالدوائر الحكومية». أسرار المهنة ويوضح العم أبو عبدالله أن كاتب المعروض لا بد أن يتمتع بالعديد من الصفات، فيجب أن يكون متمرسا ولبقا ولديه سرعة البديهة؛ فالمراجعون يستعينون بنا في عمل الاستمارات الخاصة بالمعاملات وكتابتها وتعديل المعلومات والأسماء والمهن أو إجراءات المحاكم وكتابات عدل أو الأحوال المدنية والجوازات وغيرها، فتجد هؤلاء الكتاب يحفظون أسرار الناس، فهذه أمانة لا بد من المحافظة عليها، ومعظم العاملين في هذه المهنة متقاعدون أو لم يجدوا فرصا للعمل فاتجهوا لهذه الوظيفة التي تعتبر مصدر رزق للكثيرين، فنحن نكتب المعروض الواحد بعشرة ريالات، فيما لا يتجاوز الدخل الشهري من خلال هذه المهنة ال1500 ريال». وظيفة لمن يرغب ولا تقتصر كتابة المعاريض على أصحاب المؤهلات التعليمية الدنيا بل حتى كثير من المتعلمين يلجؤون إليها لخبرتهم في انتقاء الكلمات المؤثرة تجاه الإدارة والتي تؤتي أكلها في غالب الأحايين. سعيد غرمان طالب في جامعة أم القرى، 22عاما: «إذا حضرت إلى أي دائرة حكومية فأنا لا أعرف «الكليشيهات» أو المقدمات لأنني لم أتعود كتابة المعاريض، ولذلك عادة ما ألجأ إلى شخص أكبر مني سنا وأقل مني مؤهلا وأدفع له ما يريد بشرط أن يكتب لي ورقة بعبارات جيدة». مهنة شاقة من جهة أخرى لا يتخيل أحمد القرشي نفسه في يوم من الأيام يجلس تحت سطوة أشعة الشمس وحرارتها من أجل كتابة خطاب أو معروض لشخص قد يطلب منه في بعض الأحيان إعادته أكثر من مرة، وقد يخطئ في اسم الإدارة التي يوجه لها الخطاب فيطلب منه إعادته مجانا: «هي مهنة شاقة، ولا أتخيل أن تأتي لحظة أتفرغ فيها لكتابة معروض، ورغم أنها غير مكلفة ولا تحتاج إلى إمكانيات كبيرة ولكن صعوبتها في التعامل مع الناس» .