بينما أقلب الإذاعة وأنا في سيارتي قبل أيام وإذا بي أسمع خبرا بأنه تم تسجيل سبق للعرب – ولوطننا بالأخص – وإذا بهواجسي تروح بي يمنة ويسرة: هل خرج من بيننا ألبرت إينشتاين في ثوب وشماغ في اختراع جديد، أم ولد من بيننا أبو حاتم الغزالي، أو ظهر لنا المعلم الثاني بعد أرسطو وهو الفارابي؟ وبينما أنا غارق في توقعاتي ترى ما يكون السبق؟ وكعادة الإذاعات في وقت الذروة من الحماس يقولون بصوت بارد «فاصل ونواصل». وبعد الفاصل أكمل المذيع خبره بقوله «دخلنا موسوعة جينيس من خلال صنع أكبر سلة خوص في العالم». ومن فرحتي خانني التعبير وقلت «اللهم علينا ولا حوالينا»! ففي الإنجازات العربية الأخيرة في هذه الموسوعة أكبر علم في العالم، وأكبر صحن حمص في العالم، وأكبر كبسة رز في العالم، وأكبر كيس فشار في العالم.. وقد يكون في القريب العاجل إنجاز أكبر فنجال قهوة في العالم للدلالة على الكرم والسخاء غير المحدود!. قد نقول إن هذه الإنجازات لا بأس بها إذا كانت لا تضر، ومن إيجابياتها روح التعاون وقضاء وقت فراغ، فلنفترض – مثلا لو تناول أحد من الدول المتقدمة إنجازات العرب من خلال جينيس وأجرى مقارنة صغيرة بين من يصنع الحضارة ومن يصنع الحمص أو كيس الفشار ماذا ستكون النتيجة؟! إذا كانت الأشياء المنتجة - بفتح التاء - تدل على مضمون المنتج - بكسر التاء - ماهي الفكرة والانطباع الأول الذي سيأخذه الآخر عن أصحاب هذه الإنجازات الضخمة؟ هذه الظاهرة – إن جاز لنا تسميتها كذلك- هل هي من إنتاج عقلنا العربي؟ هل العرب ظاهرة شكلية؟ بمعنى هل أصبح الهم الأكبر لنا أن نوجد لنا مكانا أو ذكرا بأي ثمن أيا كان شكل ذلك المكان؟ هل صارت قصة الأعرابي الذي بال في بئر زمزم دليلا لنا نحو الشهرة أيا كان نوعها وفي الوصول السريع لما نريد؟!