في زحام شوارعنا المزمن، وفي ظل عبث التحويلات والكفاح للوصول إلى وجهة غير بعيدة، يظل الواحد منا في حاجة إلى ما يخفف عنه هذا العناء ويسليه، لكن أيضا يثري فكره وثقافته ويجدد شخصيته. وهذا ما تتيحه الكتب المسموعة التي تنتجها دور النشر المهتمة بالكتب الناطقة عربيا وأجنبيا. تمتد مجالات تلك الكتب، أو أشرطة «الكاسيت» والأقراص المدمجة لتشمل السِّير والأدب وعلم النفس، وتطوير الذات، واللغات والتاريخ، وغيرها من الحقول التي تثري المخزون المعرفي وتصقل الخبرات الشخصية وتوسع الأفق. ومن تجربة شخصية استطعت التخلص أولا من الضجر والتوتر الذي يسببه زحام واختناقات شوارع الرياض بدرجة كبيرة، ومن ثم الاستماع إلى فكر وتجارب وخبرات أساتذة ومفكرين وأنا في السيارة، فكأني أقرأ أثناء القيادة، حتى أصل إلى بغيتي دون شعور بالضجر. والفارق بين هذه الكتب المسموعة وبين الإذاعات، أن هذه الكتب تنتقي مواضيعها بنفسك حسب ميولك وحاجاتك، دون الصراخ والنباح الذي يسمى غناء، ودون صخب الموسيقى المصاحبة للبرامج والإعلانات التجارية، كأن المستمعين في آذانهم وقر، ودون البرامج الممجوجة التي تطالب المستمعين بالاتصال لفائدة تلك الإذاعات أولا، وهذا ليس تعميما لأن في بعض الإذاعات برامج جادة وثرية لها مكانتها. لكن تلك الكتب تحت تصرفك تستمع إليها كما تريد ووقتما تشاء، وهي قوالب فكر وثقافة وأدب. «ألبومات» الأديب الكبير والشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، والدكتور طارق السويدان، أمثلة قلما نجد لها نظيرا، بما برعت فيه هاتان الشخصيتان، الشيخ الأديب في تجاربه وأدبه وفكره، والدكتور طارق في إبداعه بإعادة تقديم صفحات وسير من التاريخ الإسلامي، والتنقيب عن أسرار العظماء الخفية، إضافة إلى خبرته في الإدارة وتطوير الذات، التي مزجها بالفكر الإسلامي. دامت لكم متعة المعرفة وصداقة الكتاب.