«الحرية، العدل، المساواة» تلك هي المبادئ الثلاثة التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية، وأخذوا على عاتقهم تطبيق تلك المبادئ على قدر استطاعتهم في قوانينهم وتشريعاتهم، وفي نظر الكثيرين في العالم الإسلامي ومسلمي فرنسا، فإن تلك المبادئ على وشك أن تنتهك، بعد توارد الأنباء عن قرب صدور قرار يمنع المنتقبات المسلمات من ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ويفرض عليهن غرامات مادية في كل مرة تتجرأ إحداهن بارتداء النقاب في شوارع فرنسا، أو محالها، أو حدائقها، أو كل ما يعتبر مكانا عاما، وفوق ذلك ربما يفرض عليهن أخذ دروس في المواطنة، أو الاثنين معا، مع أن ليست كل المنتقبات من أصول عربية مهاجرة أو من دول إسلامية، بل بعضهن فرنسيات أقحاح، اعتنقن الإسلام عن اقتناع، واخترن ارتداء النقاب؛ لأنه في نظرهن اللباس الشرعي الواجب على المرأة المسلمة ارتداؤه ، وإذا تم إقرار ذلك القانون، الذي عرضته وزيرة العدل الفرنسية ميشيل اليو ماري، أمس الأربعاء، فإن ذلك من شأنه منع الزي الإسلامي الذي يغطي الوجه بأكمله في الأماكن العامة في فرنسا. وإذا تم التصديق على قانون منع النقاب فإن أي امرأة ترتدي النقاب «البرقع» في الأماكن العامة سوف يتعين عليها دفع غرامة تبلغ 150 يورو «نحو 700 ريال سعودي»، أو تحضر دروسا فى المواطنة، أو الاثنين معا. وبالإضافة لذلك فإن أي شخص يجبر امرأة على تغطية وجهها بسبب نوعها سوف يواجه عقوبة قصوى، تصل للسجن لمدة عام ودفع غرامة تبلغ 15 ألف يورو «نحو 700 ألف ريال سعودي» لأن ذلك يحط من كرامة الإنسان على حد زعم القانون الفرنسي. وربما يأتي اليوم الذي يخلو فيه الشانزليزيه من الخليجيات والعربيات اللاتي يرتدين النقاب، ويبحثن لهن عن بلاد أخرى لا تتم ملاحقتهن فيها وتغريمهن بسبب حرية المعتقد والاحتشام. وفي وقت لاحق من يوم أمس أقرت الحكومة الفرنسية مشروع قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، على الرغم من تحفظات قانونيين وممثلي مسلمي فرنسا على هذا النص الذي سيعكف البرلمان على درسه في يوليو. وأعلن الرئيس نيكولا ساركوزي خلال الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء لبحث هذا المشروع أنه «في هذه القضية تسلك الحكومة، وهي مدركة تمام الإدراك، طريقا صارما لكنه عادل». وأضاف: «نحن أمة عريقة مجتمعة حول فكرة معينة عن كرامة الإنسان ولا سيما كرامة المرأة. والنقاب الذي يخفي تماما الوجه يطول تلك القيم التي نعتبرها أساسية وجوهرية في ميثاق الجمهورية». وينص مشروع القانون على أنه: «لا يحق لأحد في الأماكن العامة أن يرتدي لباسا يهدف إلى إخفاء الوجه». ولم تأخذ الحكومة برأي مجلس الدولة، وهو أعلى هيئة قضائية إدارية في البلاد والذي نصح بأن يقتصر هذا الحظر في بعض المرافق العامة «إدارات ووسائل نقل.. إلخ» واعتبر أن حظر النقاب في الشارع «يفتقر إلى أساس قانوني لا يرقى إلى الشك». واعتبر نيكولا ساركوزي أن «الكرامة لا تفرق وان المواطنة يجب أن تمارس بوجه ظاهر، وبالتالي فإنه لا مفر من حظره «النقاب» بالنهاية في الأماكن العامة بأسرها». وسيكون من الصعب التوصل إلى إجماع على هذا المشروع في البرلمان لأن قسما كبيرا من المعارضة اليسارية يعتبر المشروع غير قابل للتنفيذ ويدعو إلى احترام رأي مجلس الدولة. كذلك أعرب ممثلو مسلمي فرنسا عن معارضتهم لهذه الممارسة التي تنفرد بها «أقلية قليلة جدا» وكذلك قانون حظرها الذي اعتبروه «مثيرا للعداوة». ولا يتجاوز عدد النساء اللواتي يحملن النقاب أو البرقع ألفين في فرنسا «بحسب السلطات» من أصل خمسة إلى ستة ملايين مسلم. وبذلك ستكون فرنسا ثاني بلد أوروبي بعد بلجيكا يحظر فيه النقاب في الفضاء العام. ولن يتوقف الصراع عند ذلك بل سينتقل إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي من المعتقد أن رافضي هذا القانون سيلجؤون إليها لنقضه، خاصة أن قوانين المحكمة تشدد على حرية المعتقد وعدم المساس بالحرية الشخصية في اللباس والاعتقاد.