هي الشط.. ولجة البحر/ مرساها.. أمان / والغرق فيها.. حياة ما الأجمل في حضرة الأنثى أن تسند حرفك على جمال تفاصيلها، أم أن تحملها بين يدي افتتانك وتفرح بها معها؟! وما الأعذب في غيابها أن تكتب عنها أم تكتب لها؟ أم تكون هي الكتابة وأنت الحرف التائه في كونها؟! لعل الإجابة لا تكون لافتة، ولا مقنعة إلا حين يجمعها خالد الباتلي في نبض حرف لا يهدأ، لتكون الحكاية المغدقة بالدهشة كما سردها في كتابه «ليتها تقرأ»: «سيدتي/ هل تكفيك الكلمات/ كي تدور الأرض أكثر فأكثر؟». الباتلي نثرا يصعد جبلا، وشعرا يقطع واديا ، ويبحث عن كل ما يشبه تلك الهاء التي يناجيها، يلتقط لونا من هنا وعطرا من هناك، يقطف شجنا من تلة الشوق تارة، وتارة يكون الفرح هو الزرع والحصاد والثمر. على منوال ليتها تقرأ، «الثلاثاء هو عيد الأسبوع» و«هي كون نختال فيه» تكون الأيام مزهرية، والأنثى مساحة تستحق الكلمات أن تركض بها إيمانا ورجاء وقد أغرت الباتلي فرمل بنا أشواطا مباركة ذهابا وإيابا منها وإليها، فكتب بصيغة الغائب، وب ياء الخطاب، وبدلالة التأنيث الفاتنة. كتب بالمفردة المتصالحة مع المسافات، والأخرى المتكهنة بصلاح أمر المستحيلات، كتب ب«لا» الغاوية، وب«نعم» المعسولة بالمراوغة. بين السطور تجد فراغات ونقاطا وأقواسا امتلأت بشواهد لأجمل ما قيل في الحب، وما تغنت به مساءات العشاق وصباحاتهم: «لا تتركيني! وأطعمي روحي طهرك..»! لا ينفك الباتلي أن يكون هاربا بمقطوعاته، يحملها بعيدا عن التصنيف، ويخرج بها عن نطاق التقليدية، لا تدري هل المتحدث «هو» أم «هي» أم «الكثير منا»؟ وكأن مابين الدفتين بطاقات تنتظر ساعي بريد وابتسامة واحتفالا: «لم أحببك لأنك فاتنة / أحببتك / لأنك الوحيدة التي تستطيع التواجد في مكانين في ذات اللحظة / أحدهما.. لا يهمني / والآخر منهما: ذاك النابض بك.. الناضب من غيرك: قلبي». أنثى «ليتها تقرأ» تطل من خلف الذهول بمفردة رشيقة يشاغلها الكاتب لحظات بكثير من الغزل الرهيف، ولحظات أخرى ينشغل بما حولها لأجلها. يستخدم في ذلك لغة حب تخصه ومن صنعه، تمنح القارئ متسعا من الرغبة في معرفة هل هو يقرأ حكاية من فصول قصيرة، أم يقلب ألبوم صور لعشاق من الزمن الأصيل: «من ذات السرير الأبيض/ كتبت ذات غفوة/ أني آتية من حلم بنبأ يقين/ اغسل يديك بالغيم». الفكرة واليقينيات التي يطرحها الباتلي في كتابه لا تقل جمالا ولباقة وتجديدا عن لغته، فهو يتحدث بلسان طليق لا تلعثمه الخيبات والعتاب ويمسح على رؤوس الكلمات فتكون ورودا وبساتين: «قلت لك مرة: أحلم بأن أفتح باب بيتكَ معك/ أجبت: «وأحلم بأن أفتح بيتي فألقاك». في سطور «ليتها تقرأ» الكلمة تنتهي ب هائها، والمعنى يبدأ بكل نساء الأرض، ليكون الكتاب شاهدا على وجود حب شهي، لذيذ في عذبه وعذاباته، وعلى إمكانية تغيير بوصلة المحبين تجاه الاستمتاع بكل تفاصيل الشوق واللقاء والعطاء والمغفرة، وليكون للابتهال مذاق آخر يشبه ما شدا به الباتلي على غلافه: يارب/ لا تأخذها مني/ ولا تخنقها بي/ .../ يارب إني أحبها/ فهي خالدة بروحي.. وأنا بها.. خالد.