رغم مرور خمسة أعوام على برنامج ابتسم الذي يعنى باستكشاف المملكة عبر عيون الأبناء، إلا أن مفهوم سياحة الاستكشاف لا يزال «محلك سر». ورغم أن السياحة في المملكة ارتقت أخيرا بنسبة تتجاوز الضعف عما كان سابقا، في ظل الميزانيات والجهود الملموسة التي تبذلها هيئة السياحة، إلا أن العديد من الأسر لا تزال ترى السياحة بمنظار مهشم، فإن امتلكت الرؤية غاب التدبير، وإن امتلكت التخطيط غاب العمق السياحي وصولا لسياحة الاستكشاف. لماذا تهمل الأسر السعودية العمق السياحي، في وقت تحرص عليه عند جولاتها الخارجية، وهل مفهوم السياحة الاستكشافية قد يتحقق يوما ما، خاصة أن برنامج ابتسم حسب رأي المختصين يعد أحد أذرعة الاستكشاف الرئيسية، التي تبدأ بالعمران، وتمتد للصحاري والوديان، أم أن الأمر لن يعدو كونه حلما بعيد المنال؟ طارق غلام الطالب بجامعة الأمير محمد بن فهد، يستبعد أن يصل الشباب لمرحلة الاستكشاف سريعا، لأنها ثقافة غائبة: «لم تدرس في المناهج التعليمية، ولا في الجامعات، ولم نسمع عنها في أحاديث المجالس، ولا في الدعايات، أو المنابر والمؤتمرات، فكيف يمكننا أن نتعرف عليها كشباب يمثل نصف المجتمع، لكي نغرسها في الأبناء مستقبلا؟». بدائية غريبة ويتهم الجهات المختصة بالتقصير في الأسلوب الدعائي: «لم أسمع بوجود المتحف الوطني مثلا إلا عن طريق الصدفة، وهذا يدل على عدم وعي لدى المسؤولين للتعريف بهذا المعلم الذي يشكل أهمية بما يحويه من تاريخ المنطقة الجغرافي والحضاري والمعرفي والتراثي، وكل ما يتعلق بعادات وتقاليد أهل البلد». ويرى أن الأمر يختلف في الرحلات الخارجية: «أحرص على زيارة المتاحف في الدول الغربية، ودائما ما أتجاهل متاحف الدول العربية، وهذا ينسحب على باقي المواقع التراثية والحضارية، فالأمر لدي مرتبط بقناعات معينة، لأن الفرق شاسع بين تعامل هذه الدول مع مواقعها الأثرية والحضارية من ناحية الترتيب والعناية بمكنوناتها ودلالاتها التاريخية، وهي تبحث في الدرجة الأولى عن إثراء الزائر وإضافة معلومة جديدة له بطرق مشوقة وأكثر قربا من الشباب على وجه الخصوص، أما الدول العربية، وينطبق الأمر على واقعنا في السعودية كذلك، فما زلنا نتعامل مع الموضوع ببدائية غريبة». ويصل إلى التأكيد على أن شباب اليوم لا يبحث عن رحلات الاستكشاف، فالسياحة مرتبطة لديه في اللاشعور بواقع المتعة والاستجمام والراحة واللهو فقط. «الشللية» تفرض خط السير ويرهن عبدالرحمن السويدي الطالب المبتعث بأمريكا تخصص هندسة صناعية، مصير التعرف على مفهوم الاستكشاف، بمرور العديد من الأعوام: «السياحة عموما من المفاهيم الجديدة التي تحتاج لأعوام لكي نستطيع استيعابها، فما بالنا بمفهومها الخاص بثقافة الاستكشاف، وشبابنا لا يزال يبحث عن الاستجمام بغض النظر عن أي شيء آخر». ويبين أن المجتمع يفتقد عملية التخطيط للسفر: «إذا نوى أحدنا السفر فلن يحدد البلد الذي ينوي زيارته إلا في اللحظات الأخيرة، بمعنى قبل أيام قليلة لا تتعدى الثلاثة أسابيع، في حين أن الشلة في أحيان كثيرة تتحكم في قرارات السفر وأهدافه وشكله، وهذه إشكالية أخرى تأتي من عدم قدرة بعض الشباب على تحديد أهدافه بنفسه، وإنما يخضع العملية لتفكير الشللية». الأدوات المساعدة وأشار إلى تجاهل دور الجهات المسؤولة، خصوصا هيئة السياحة والآثار في تنمية ثقافة السياحة الاستكشافية: «أسمع عن مدائن صالح وأفكر في زيارتها، ولكن ينتابني السؤال ماذا بعد ذلك، أقصد ما الذي أستفيده بعد الوصول لها ومشاهدتها، خاصة أنه لا يوجد منتجع سياحي قريب منها ولا خدمات قد تساعدني على البقاء لأيام فيها حتى تكون الرحلة مكتملة، لذا فالاستكشاف يحتاج إلى أدوات أخرى مساعدة لكي نصل بثقافتنا جميعا إلى مستوى الرحلات السياحية المخصصة لاستكشاف البلاد والتداخل مع أهلها ومعرفة ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم». عبدالله الطحلاوي الطالب المبتعث بكندا، لم يصادف يوما ما في داخل المملكة لافتة دعائية أو بروشور يدله على الأماكن السياحية والأثرية سواء في المملكة بشكل عام أو في مدينته: «حتى المتحف الذي سمعت عنه لا أعرف موقعه بالتحديد إلى الآن، الأمر الذي يؤكد أن شبابنا يحتاج إلى من يصل إليه، لا من ينظرون إليهم من وراء مكاتبهم، فلدينا عقول جيدة تستوعب كل ما هو مفيد، ولكن عصر السرعة وهموم الحياة العصرية المتزايدة يجعل الشاب في حالة من التوهان قد تعيقه عن البحث عن الأمور الجيدة والمفيدة له، في ظل ضغوط الدراسة والوظيفة ومسؤوليات الحياة المتعددة والتي تجعله يبحث عما يسليه وبأقصر الطرق وأيسرها، فنجدهم يسافرون من الملل والروتين في الداخل إلى الملل والروتين في خارج البلاد». ويعتقد بأن: «للوالدين دورا كبيرا في جعل أبنائهم مطلعين وباحثين عن كل ما هو جديد ومفيد، خصوصا في السفر، فالسياحة راحة واستجمام واكتشاف، وهذا ما لا ينطبق على كثير من عائلاتنا السعودية، التي تحصر السياحة العائلية حتى في الخارج في زيارة للمجمعات التجارية وقضاء اليوم بأكمله بين جنباتها بالتنقل من الكوفي شوب إلى المطاعم ومنها إلى السينما، وهكذا، فكيف يمكن للأبناء فهم السياحة بشكل صحيح». أين التكاتف؟ نائب رئيس هيئة السياحة للتسويق والإعلام عبدالله الجهني، يرى الحاجة ماسة لتدعيم مفهوم السياحة الشمولي والذي يحمل معاني البحث والاستكشاف لدى المجتمع السعودي والشباب على وجه الخصوص: «التكاتف مطلوب من العديد من الجهات ذات العلاقة، ومنها الرئاسة العامة لرعاية الشباب وجميع الجامعات السعودية، ووزارة التربية والتعليم، والهيئة العامة للسياحة والآثار بالممكة، كلها يجب التنسيق فيما بينها لتحويل مفهوم السياحة من متعة وتحقيق ملذات فقط إلى سياحة راقية بمفهومها الأصيل كوسيلة من وسائل الاستكشاف والتعلم والتعرف على الحضارات المختلفة». ضعف الثقافة المتحفية ويعتقد أن أبرز المشكلات التي تواجه العمل في هذا المجال هي ضعف الثقافة المتحفية لدي الجميع، وليس الشباب فقط: «كل الجنسيات المختلفة عندما يزورون أي بلد جديد يبدؤون بالمتحف الوطني لذاك البلد للاطلاع على محتواه والتعرف على تراثه وحضارته، واكتشاف أسراره وحكاياته، لذا بدأنا بعلاج هذا الخلل لدينا، على مدى الثلاثة أعوام الماضية ببرنامج ابتسم، بشراكة إستراتيجية مع وزارة التربية والتعليم على مستوى المرحلة الثانوية، ويعنى بالتربية السياحية المدرسية، وتم تخريج 250 ألف طالب وطالبة خلال هذا البرنامج حتى الآن لزيادة الاهتمام بالمتاحف، والذي نزعم أنه الخطوة الأولى لتلمس أهمية المتحف كمعلم سياحي حضاري يجب فهم مكانته السياحية كدلالة على مفهوم السياحة الحقيقي». رالي فريد وبين أن رالي حائل يعد تجربة فريدة ومتميزة لسياحة الرياضة والمغامرات: «التجربة بدأت من لا شيء، وبدعم من الرئاسة العامة لرعاية الشباب واتحاد السيارات بالمملكة وهيئة السياحة، تحول هذا الرالي إلى مسابقة دولية تقام تحت مظلة الاتحاد العالمي للسيارات، وهذا المشروع يندرج تحت مفهوم السياحة الاستكشافية، لأنه ليس في السياحة نمط بهذا الاسم بالفعل، ولكننا حاولنا من خلاله نقل رسالة موجهة للشاب السعودي ليتلمس مفهوم السياحة الحقيقي، وينتقل من مرحلة السفر لمجرد المتعة والاستجمام، والتي قد تكون مدخل شر عليهم، إلى سياحة نقية ملتزمة تعود بالفائدة عليهم أولا وعلى مجتمعهم ووطنهم ثانيا». وأشار إلى أن القائمين على السياحة في المملكة بدؤوا منذ خمسة أعوام في وضع الخطط لتثقيف المجتمع والشباب على وجه الخصوص بالمفهوم الأفضل للسياحة، لينظموا خلال العام الماضي، أكثر من 63 فعالية جاء أكثر من 84 % منها خاصا بالتراث والثقافة