لا شك أن مسيرة التنمية تخطو بشكل يدعو إلى الفخر، إذ بدأ كثير من الجهات يؤدي دوره تجاه خدمة الوطن والمواطن، لولا أن بعضها يقع في حرج تضارب المسؤوليات مع جهة أخرى، فتعيق الكثير من نجاحها وتحقيقها لهدفها الأسمى. ولا أدل على ذلك من التضارب العجيب في مشكلة اللحوم والأغذية الفاسدة، فهناك أكثر من جهة تلقي المسؤولية على الأخرى، فالمواطن الذي يحلم بالتسوق وقلبه مطمئن من وقوعه ضحية لغذاء فاسد، لا يعرف أن هناك أكثر من جهة تجعل دم هذه القضية ضائعا بين قبائل من التضارب، فهناك وزارة التجارة و «هيئة الدواء والغذاء» والبلديات! وهذا التضارب سمح لمجرمي تهريب وبيع اللحوم والأغذية الفاسدة بالمرور إلى أسواقنا بكل أمان وبرود أعصاب. هذا بالنسبة إلى اللحوم والأغذية في الداخل، لأن الموضوع عندما يختص بما يتم استيراده من الخارج، فهناك جهات أخرى جديدة تضاف إلى قائمة الجهات المتضاربة التي ذكرناها سابقا، فنجد بلديات المدن تقوم بجولات تفتيشية في الوقت نفسه الذي تقوم فيه هيئة الغذاء والدواء بجولات مماثلة، ولا نعرف مسؤولية كل جهة واختلافها عن الأخرى. وكان من الممكن قصر هذه الجولات على جهة واحدة فقط، واختصار الكثير من الجهد والوقت والمال، فالمشكلة تزداد تعقيدا عند التفتيش على مصانع هذه الأغذية داخل المدن الصناعية، فلإدارة المدينة الصناعية رأي آخر، قد يكون مغايرا لرأي هيئة الدواء والغذاء، خصوصا عندما يتعلق الأمر برغبة الهيئة في فرض عقوبة على مصنع مخالف، وهو ما لا يدخل في نطاق صلاحياتها، ولا بد لها من مخاطبة إدارة المدينة الصناعية ضمن معاملة خاضعة للصادر والوارد حتى يمضي زمن طويل إلى درجة أن هذا المصنع قد تكون ملكيته آلت إلى تاجر آخر! كما أن هيئة الغذاء والدواء لا تستطيع أن تمد يدها للتفتيش على ما يتم إعادة تصنيعه داخل «السوبر ماركت» الكبير، ولو فعلت لغضبت منها البلدية التي يتبع لها هذا «السوبر ماركت» بحجة أن هذا الشأن من اختصاصها، ولا حق للهيئة في التدخل في ما لا يعنيها. وما دام هذا التضارب الذي يحتاج إلى جامعة متخصصة لتفسيره يسبب انتشار الكثير من الأغذية واللحوم الفاسدة، فإني أقترح إدراجها تحت مسؤولية جهة واحدة من أجل سلامة المواطن.