في مدينة واحدة، بل في حي واحد، ربما تجد أن مريول طالبات المدارس (ابتدائية ومتوسطة وثانوية) يختلف في اللون والشكل من مدرسة لأخرى، بطريقة تثير الأسئلة المتعددة والمتشعبة، التي لا تتوافق مع توحيد المنهج الدراسي وعشق الذهاب اليومي إلى طابور الصباح! أخذت «شمس» على عاتقها مسؤولية البحث عن أجوبة لذلك التعدد، الذي لا يمكن تفسيره ب«المحمود أو المرفوض»، إلا بعد جولات وصولات واستقصاءات، وإليكم ما تراءى لها من خلال مجريات هذا التحقيق: ألوان متمايزة تلقطها أعين الناظرين لطالبات يتوجهن لمدارسهن صبيحة كل يوم، بدءا من الابتدائية وصولا إلى الثانوية ، في تباين آسر بمدارس التعليم العام؛ لأن هناك عائلة، مثلا ، فضلت إدخال بناتها مدارس لتحفيظ القرآن ترتدي طالباتها «الأخضر، الرمادي، والعنابي»، فيما عائلة ثانية لم تقتطع من وقتها عناء التفكير والتباحث في اختيار نوعية ما؛ لأن هدفها الوحيد انصب في تعليم وتدريس بناتها فقط، بغض النظر عن نوعية المدرسة، ليسفر عن ذلك اختلاف نسبي في المضمون التعليمي، وتباين كلي في المظهر الخارجي من ناحية اللون، تطفو معها ثقافة الاختلاف، وكأن الطالبات لا يذهبن يوميا إلى وحدة طابور متشابه، وإنما إلى «طابور خامس»، إذا صح الافتراض. أين التوحيد؟ ليس من المستغرب أن نجد في مدينة الخبر، على سبيل المثال، لا الحصر ما يقارب عشرة ألوان بين تعليم أهلي وحكومي؛ حيث تظهر سيطرة اللون الكحلي، يليه الأخضر ثم العنابي. لهذا لم يدر بخلد أم ريناد أن يسهم المريول في إيجاد معاناة لبناتها الأربع، حينما حصل والدهم على خطاب الانتداب وانتقلت الأسرة من الشرقية ذات الألوان الداكنة لمراييل طالبتها «كحلي، رمادي، وبني»، إلى جدة ذات الألوان الفاتحة «الأزرق، الوردي، والأصفر». اللون الرمادي لمريول روان، ابنتها الوسطى، جعلها تعيش حالة نفسية عارضة، وهي ترتديه وسط مدرسة متوسطة تضج بالوردي: «لم يدر في بالي، ولا أهلي، أن طالبات جدة يختلفن في اللون إلى ذلك الحد»، مشيرة إلى أنها أصبحت مثار تساؤلات على شاكلة: «من أين أتيت؟»، لوقت تجاوز الشهر، حتى بعد أن ارتدت لونهن بوقت ليس بالقصير، وأردفت: «شعرت كأنني نقلت من بلد آخر غير بلدي!»، ثم طالبت: «لماذا لا يوحِّد زي كل مرحلة في جميع المناطق؟». تفرقة.. وتمييز ثمة إحساس بالتفرقة والتمييز ينتاب عددا من طالبات المدارس الحكومية، تجاه قريناتهن في الأهلية؛ ما يعزِّز وبقوة مقترح توحيد اللون لطالبات المدارس في كلا القطاعين. وتشير وضحى غازي (طالبة ثانوي) إلى أن الزي المدرسي الحكومي: «يبعث على الكآبة، بسبب قتامة الألوان وسوء التصميم، على عكس الزي الأهلي، الذي يمتاز بجمال اللون والتصميم معا». وتشاطر وضحى الرأي كل من خديجة الأنصاري وآلاء العمودي (طالبتا ثانوي)؛ حيث تعتقدان أن: «التوحيد بالشكل واللون سيقطع دابر كل محاولات الطالبات، بإدخال تصاميم تتنافى مع الطابع الرسمي للزي المدرسي». إلا أن مطالبات بنات المدارس الحكومية لم تلق َ نفس الصدى لدى مثيلاتهن في الأهلية، إذ إن رحاب عبدالله ، طالبة مدرسة أهلية، ترفض وبشدة توحيد الألوان، لأنها ترى أن الاختلاف: «ضرورة ملحة حتى لا يتسلل الملل إلى نفوس الطالبات» . وتذهب رحاب شوطا بعيدا باقتراح تغيير الزي بشكل سنوي. ووافقت رحاب في ذلك لولوة العمر، مفضلة ألا تكون المراييل موحدة بين المدارس الحكومية والأهلية: «للاختلاف الضمني والكلي بينهما». وجاءت نيرمين تركستاني بفكرة أشبه ما تكون بالمستحيلة، ترى فيه تميُّز كل مدرسة في زيها عن بقية المدارس في كل البلاد . رغبة إدارية مطالب توحيد ألوان مراييل مراحل المدارس السعودية، لم يكن نابعاً من نسبة واضحة من الطالبات فقط، وإنما ساندتها مطالبات إدارية من قيادات تعليمية؛ حيث كشفت دراسة رفعت إلى وزارة التربية والتعليم عن توحيد الألوان، أفصحت عنها مديرة إدارة التوجيه والإرشاد في تعليم البنات بالشرقية زينب الغامدي، إلى أن القرار ينتظر بعض الوقت، «حتى يسهَّل أمر انتقال الطالبات بين منطقة وأخرى». وترى مديرة الوحدة الإرشادية بتعليم بنات الشرقية شيخة النعيمي، أن توحيد لون المريول بطريقة معتمدة من الوزارة : «يضفي طابع النظامية ويبعد الفروق الطبقية بين الطالبات»، فيما تشاطرها الرأي مديرة إدارة التدريب بنفس المديرية سعاد العثمان. كما ترى مديرة إدارة نشاط الطالبات نورة الشهري، أن توحيد اللون يحقق الصالح العام: «في عدم إرهاق ولي الأمر بالتفصيل من جديد لدى أي انتقال خارجي»، غير أن مديرة إدارة رياض الأطفال فوزية خميس، لها رأي يؤيِّد الاختلاف: «التمايز يأتي وفقا لاختلاف الظروف المناخية بين منطقة وأخرى»، بينما ترى المشرفة بالإعلام التربوي مسفرة الغامدي ، أن أمر توحيد الزي: «ليس بالأهمية حتى تخصّص مساحة للحديث عنه» المريول تاريخيا وفي أوروبا وبعد سقوط روما في العصور الوسطى كادت المدارس النظامية تختفي ولم يبق منها إلا شتات محدود، التحق به نزر يسير من البنين دون البنات، واقتصر التعليم على بعض المدارس الدينية التابعة للكاتدرائيات والأديرة وكانت تدار بواسطة الكهنة، وتبين بعض الرسوم والأشكال التي دونت في تلك العصور على جدران الأديرة أو في بعض المؤلفات أن الطلاب والمعلمين الملتحقين بهذه المدارس كانوا يرتدون زيًا موحدًا يشبه زي الرهبان والقساوسة، ويذكر مؤرخو التعليم أن توحيد الزي في المدارس الدينية كان بهدف جعله رخيصًا وفي متناول أبناء الأسر الفقيرة. ومع بداية الألفية الميلادية الثانية بدأت المدارس في الانتشار في أوروبا، وامتدت إليها- على استحياء - يد التطوير، وقد اختلفت معدلات تطوير المدارس في جميع أرجاء القارة الأوروبية. هذه البدايات المبكرة للتعليم في العصور الوسطى شهدت إحجامًا وعزوفًا من أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا عن الدراسة والتعليم، لأن المدارس تحولت - في نظر هاتين الطبقتين - إلى أماكن خطرة غير مرغوب فيها؛ فقد أخذ أبناء الطبقة العليا وأبناء النبلاء والأسر الميسورة في التباري في أنواع الملابس والمستلزمات المدرسية، وكانوا يرتدون أفخم الثياب وأغلاها ثمنً ا ويحملون حقائب مصنوعة من أغلى الجلود، وكان كل طالب من أبناء تلك الأسر ممن يدرسون بعيدًا عن ذويهم يمتلك خزانة ملابس فخمة وشاملة، تحتوي على أنواع وأشكال متعددة من الملابس. هذه المبالغة في مقتنيات وملابس الطلاب وهذا التباري بين أولياء الأمور أدى إلى امتناع كثير من الأسر عن إرسال أبنائها إلى المدرسة والاكتفاء بتعليمهم في المنزل. بريطانيا الفيكتورية وفي عهد إنجلترا الفيكتورية (Victorian England) انتشرت فكرة توحيد الزي المدرسي وأصبحت هاجسًا لدى جميع البريطانيين، بعدما شعرت جميع الطبقات بضرورة وضع حد لهذه الفوضى، وإيجاد حلول لوقف حمى التباري في الملبس بين أسر التلاميذ، فكان توحيد الزي المدرسي وتطوير المنهج التقليدي المعتمد على الحفظ والتلقين هما أبرز محاور تطوير التعليم في المدارس الحكومية الإنجليزية في تلك الفترة، خاصة بعدما تم إنشاء العديد من المدارس الحكومية لتلبية الاحتياجات الكبيرة من الإداريين الذين تحتاجهم الإمبراطورية البريطانية المتوسعة. كما كان للحركة التربوية في عام 1870م دور كبير في تحفيز الحكومة البريطانية على دعم نظام مدرسي يقضي بتعليم الجميع، وقد اتبعت المدارس المنشأة نهج المدارس القائمة من حيث المناهج الدراسية، كما تم تعميم مواصفات الزي المدرسي على جميع المدارس الحكومية القديمة والجديدة على حد سواء، واشترطت المدارس الوطنية الإنجليزية التزام تلاميذها بارتداء الزي المدرسي، وقد شجع توحيد الزي المدرسي الأسر الفقيرة والمتوسطة في إنجلترا على إرسال أبنائها إلى المدارس. ظل الأمر هكذا حتى منتصف القرن ال20، وفي الستينيات الميلادية وعندما قامت الثورة الاجتماعية كان من نتائجها أن حدت من التمييز الطبقي الذي يظهره الزي المدرسي الموحد داخل المدارس في بريطانيا، وفي أواخر الستينيات كان لتمرد الشباب الواسع أثره على الزي المدرسي، فقد اختفت جميع العلامات المميزة للطبقة الاجتماعية، ووصل الأمر في بعض المدارس إلى إعادة تصميم زي مدرسي جديد بمواصفات وشروط جديدة . والحقيقة أن فكرة الزي المدرسي لم تكن منتشرة بشكل كبير في أوروبا مثلما انتشرت في إنجلترا، وإن كانت هناك بعض الرسومات والصور التي تبين أن الزي المدرسي كان موجودًا في القرن ال19 في بعض الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنساوألمانيا وروسيا وبلغاريا وإيطاليا وإسبانيا، لكن لا يوجد الكثير من المعلومات عن طبيعة هذا الزي ومدى انتشاره، وما يمكن ملاحظته من خلال الصور والرسومات أن الأزياء المدرسية في تلك الفترة كانت تغلب عليها التصميمات المتأثرة بالزي العسكري، الذي بدأ ينتشر في القرن ال17، وكانت له وظائف من أهمها تعزيز الطاعة وروح الزمالة والانتماء بين الجنود. الزي الموحد فكرة هتلر وقد تباينت مواقف المجتمعات الأوروبية من فكرة الزي المدرسي؛ ففي حين عممت الفاشية الإيطالية لبس «الاسموكن» على تلاميذ المدارس، رفض الشعب الألماني توحيد زي التلاميذ واعتبر ذلك من ذكريات العهد النازي، (على اعتبار ان هتلر هو اول من احدث فكرة الزي الموحد في المدارس) وأصبح ينظر الكثيرون إلى الزي الموحد - بعد الحرب العالمية الثانية - على أنه أمر يتعارض مع الحرية الشخصية، أما المجتمعات الاشتراكية في أوروبا الشرقية فيذكر المؤرخون أنها - فيما عدا ألمانياالشرقية - عممت الزي المدرسي الموحد منذ مرحلة مبكرة من الثورة ، غير أن هذا التعميم لم يستمر طويلاً في جميع المدارس بسبب سقوط الأنظمة الشمولية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي.