في وقت ترتدي الطائف فيه حلة جديدة، بانطلاقة مهرجان الورود الشهير، الذي يبرز تميز هذه المحافظة، نفض الأهالي الغبار من كراسي الانتظار داخل أشياب المياه، على أمل الحصول على رقم يؤمِّن لهم عصب الحياة. ورغم أن الطائف اعتادت المرور بأزمات مياه متلاحقة، إلا أن التصريحات المواكبة للأزمات كانت المخدِّر الذي يتجرعه الأهالي؛ ليعاودهم الألم مجددا. لكن الحال اختلفت قبل أيام؛ إذ استيقظ الأهالي على إجازة المدارس، ووجدوا الزوار قد بدؤوا في التوافد عليهم؛ ما يتطلب مرحلة استنفار اعتادتها الطائف، إلا أن غير المعتاد أن يصل الزوار وتقدَّم لهم الزهور والورد، فيما لا تقدم لهم المياه، في ظل الأزمة التي اجتاحت المحافظة منذ أسابيع عدة، ولم تجد من يداويها، حتى تخطى سعر الوايت 400 ريال. وباتت الأسئلة التي تجتاح الأهالي: هل ينجح مهرجان الورود هذا العام، مثل كل عام، أم تقف المياه كالشوكة في حلق التميز والنجاح؟ وهل المعنيون بالمياه في المحافظة مصرون على إبر المسكنات، التي ربما تضخ في غضون ساعات، لتعود الأزمة مجددا فور عبور الزائرين عقبة الهدا أو طريق السيل الكبير، عائدين من رحلة المهرجان؟ والسؤال الأهم: لماذا تظل عروس المصائف موعودة بالعطش مع إطلالة كل صيف؛ ما يشوهها ويثقل كاهلها، في وقت يعمل القائمون على أمر السياحة على تعزيز التنشيط السياحي في كل المناطق؟ أبعدوا البيروقراطية وطالب عدد من المراجعين بإزالة البيروقراطية في طلب الماء، مشيرين إلى أنهم يواجهون تعقيدا متعمدا؛ فالإدارات تطلب أرقام الهويات المدنية والجوالات؛ ما يعد تصرفا يعطي مؤشرا حقيقيا لافتعال الأزمة. مشيرين إلى أن تصريحات المسؤولين والتأكيد على أن الأزمة انتهت كانت أشبه بالمخدر، مضيفين أنه لا بد من تدخل الشؤون الاجتماعية وحقوق الإنسان والتحقيق مع المتسببين في ذلك، ويجب على المباحث الإدارية العمل على تتبع التلاعب واستهجان المواطنين بهذه الصورة التي أفقدت المدينة ريادتها في كونها وجهة السياحة بالسعودية، وكشفوا أن سعر الوايت في السوق السوداء شارف على 400 ريال في ليلة أمس الأول. خسائر معنوية وفيما علت أصوات المهتمين بالتنشيط السياحي، خوفا من ضياع الموسم الصيفي المعروف عن المحافظة، بدأت الأشياب في الطائف تستقبل زوارها المعتادين، بالعشرات، إلى الدرجة التي لم تتحمل فيها الأعداد فلفظت بالعشرات إلى خارج الصالة، لتأتي الأمطار وتشتت التجمع، معلنة ربما انتهاء الأزمة لشريحة المزارعين فقط. وبات التدافع هو السبيل الوحيد للوصول إلى الشباك، فيما المقاعد ممتلئة عن آخرها، من هنا جاءت الصرخات من الأهالي.. أنقذونا من العطش! ولأن صدى الصوت لم يسمع إلا داخل حيز صالة الأشياب، بدأت الصرخات مجرد زوبعة في فنجان؛ فكل الموجودين في الأشياب لا همّ لهم سوى العودة بغنيمة الوايت، والظفر بصهريج مياه. من هنا بدأت الخواطر تتداخل في إطار محاولة كسر حاجز الزمن الذي يعيش فيه المنتظرون، وربما كانت مؤشرات محمد مذكر العتيبي، الأولى التي فتحت مزايدات الاتهامات، والشائعات؛ إذ أعلن، أصالة عن نفسه، ونيابة عن ضميره الحي، أن “الأزمة التي تعيشها الطائف ليست إلا نتاجا لأيادٍ خفية تتلاعب بالمياه، بغرض الكسب المادي، ولا يهم هؤلاء سمعة الوطن ولا مصلحة المواطنين”. لكن الرد جاء من آخر: “إذا كان الحال كذلك فأين عصا المحاسبة حتى يرتدع كل من يحاول التلاعب بمصير المواطن؟”، وأضاف المراجع الذي تحفظ على ذكر اسمه: “لا أظن أن الأمر على هذا النحو؛ فالأزمة لا حل لها إلا بالاعتراف بأبعادها، لكن مسؤولي المياه يحاولون تغطية الرماد، إلا أن ضخامة الأزمة تكشف محاولاتهم الفاشلة”. الأيادي الخفية ويعود العتيبي للتأكيد والدلالة على ما ادّعاه، من وجود أيادٍ خفية، هدفها إفساد المهرجانات السياحية والصيفية التي ربما كانت وراء لقمة العيش لكثير من الأهالي، وقال: “حضرت إلى أشياب الحوية أمس الأول عند السادسة صباحا بعد انقطاع المياه عن منزلنا، لحجز موقع لي في طابور الانتظار الذي أصبح مألوفا للطائفيين، وفوجئت بأعداد كبيرة قد أدت صلاة الفجر في الموقع وحجزت قبلي المواقع المتقدمة، فلحقت بذيل الطابور وانتظرت حتى العاشرة صباحا وحصلت على رقم، لكن خروج الصهاريج تأخر، وبالسؤال أبلغونا أن الدفع للمياه ضعيف جدا؛ الأمر الذي أدى إلى تكدّس المواطنين داخل الصالات وأسهم بشكل كبير في نشوء سوق سوداء علنا بين الطوابير، وبالفعل وقفت على صب المياه ووجدته ضعيفا جدا، وبالاستفسار أبلغونا أنهم لا يعلمون من وراء هذا التقطير”. وأضاف: “الغريب في الأمر أن وايت المياه يصل بعد وقت طويل للخروج من البوابة لالتقاط رقم (السرا) من أيدي المنتظرين، ومرافقتهم إلى منزل المستفيد، ولكن سائقي الوايتات لا يقفون، وكل مرة نحاول استيقافهم يقولون لنا إنه خاص أو لإحدى المدارس، وبعد تكرار العملية طالبنا حراس الأمن بالمرابطة أمام بوابة الخروج ومحاسبة السائقين لاتباع التعليمات، لكنهم رفضوا ذلك، وشاهدنا بأم أعيننا أن الوايتات التي خرجت تقف خارج الشيب، ويعرضها السائقون في سوق سوداء تتلاعب بالأسعار، فاضطررت إلى دفع 200 ريال وقطعت رقم السرا الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، في ظل عدم الانضباط والتنظيم”، متهما البعض بأنهم يملكون وايتات مياه ويسهلون التلاعب للحصول على غلة أكبر تزامنا مع تزايد حالات الطلب في الإجازة لكثرة الزوار والمصطافين. سوق سوداء وشاهد عجمي كليب الروقي العديد من سائقي الصهاريح يتفاوضون مع المواطنين، قبل ملء الصهاريج، مؤكدين خروجهم مع البوابة دون رقيب، فبادر بالاتفاق مع سائق عربي، ب 150 ريالا، وقال: “أبلغني أنه لا دخل لي بكيفية الخروج من البوابة، فاستسلمت للأمر الواقع واشتريت الوايت”. إغلاق وتدافع ودفع الزحام الكثيف والتدافع إلى إغلاق نوافذ أشياب المثناة، في وقت اعتبره المراجعون تأكيدا لتجاهل مطالبهم، وعدم مراعاة ظروفهم واحتياجاتهم، خاصة كبار السن، الذين توافدوا منذ وقت مبكر وبقوا إلى ما بعد الظهيرة. وحسب الأهالي فإن إدارة الأشياب أمرت موظفيها بعدم الصرف إلا بموجب رقم الهوية وتدوين اسم صاحب الطلب في الحاسب الآلي ورقم سجله المدني، ولا يحق له طلب صهريج ماء آخر إلاّ بعد مرور 72 ساعة على طلبه الأول، بعيدا عن تقدير عدد أفراد العائلة الواحدة، في حالة نفاد كميات المياه من الخزانات قبل انتهاء الزمن المحدد؛ الأمر الذي يجعل الأهالي في ركض إلى المساجد للوضوء. وأربكت الصهاريج الحركة المرورية بعدما اضطرت إلى عكس حركة السير، فيما باشر المرور عددا من الحوادث المرورية ليلة أمس الأول في الشوارع القريبة من الأشياب بسبب أزمة المياه. وقال سعود السواط من حي الوشحاء: “وقفت مع اثنين من أبنائي عند الواحدة ظهرا، ففوجئنا بطوابير الانتظار تتدافع على نوافذ الكوبونات، وبصعوبة استطعت أن أجد موطئ قدم، ولكن كبر سني جعلني عاجزا عن مقاومة التدافع والتمايل في الطوابير يمينا وشمالا، لأخرج بصعوبة، ويقف ابني مكاني، ليخرج قبل المغرب ويحصل على رقم (656)، فانطلقنا للحصول على أمر خروج الصهريج من الموقع فأبلغونا أنه لا توجد صهاريج معبأة بسبب عدم ضخ الشبكة باستمرار؛ الأمر الذي أبقانا في الانتظار حتى أدينا جميع الصلوات في مسجد صالة، وقال: “هذا افتعال حقيقي معروف الدوافع للحصول على عوائد مادية والاستفادة من إجازة المدارس ومهرجان الورد”. وأوضح فيصل المالكي أن نوافذ الكوبونات أغلقت أمس الأول بعد العصر مباشرة حتى قبل المغرب ثم استأنفت عمليات الإغلاق إلى ما بعد صلاة العشاء بساعة واحدة، مشيرا إلى أنه حصل على الرقم 657، رغم أنه وصل عند الظهر، وقال: “نحن مضطرون إلى ذلك؛ إذ كيف لنا الجلوس في منازلنا دون ماء، وعلى (حقوق الإنسان) المبادرة بالتدخل؛ كونها أصبحت انتهاكا حقيقيا لحقوقه في ظل هذا الافتعال المخطط له من أجل كسب المال”. أزمة متوقعة وتوقع محمد السفياني وعبدالعزيز ضحيان السفياني، انقطاع مياه الشبكة مع اقتراب الإجازة المدرسية؛ حيث بدأت المؤشرات، بانقطاع المياه منذ شهر؛ ما اضطرهم إلى مراجعة أشياب المثناة، والوقوف ضمن طوابير الانتظار للفوز بوايت ماء. وقالا: “سئمنا من أزمة المياه في الطائف؛ فدائما هي على موعد مع الإجازات وانطلاق المهرجانات؛ فمن الأولى حل الأزمة التي دائما ما يسأل عنها الزائر والمصطافون، فضلا عن الاهتمام بالتسويق للمهرجانات وتجاهل أهم عنصر للحياة”، مؤكدين أن أزمة المياه لن تزول ما لم تفتح مناقصات لمتعهدين جدد بدلا من استحواذ متعهد واحد عليها منذ سنوات، واقترحوا أن تكون المناقصة كل أربع سنوات، ولا يحق لمن استفاد منها الدخول مجددا، على أن تكون وفق شروط متفق عليها من قبل الأهالي؛ لأنهم المتضررون من الأزمة. وزعما أن هناك خللا في إدارة الأشياب؛ ما يتطلب تدخل الجهات المختصة، ولا سيما أن افتعال الأزمة بات مظهرا في الأشياب.