باتت سوق الخردة مطمعا لكثير من شباب محافظة حفر الباطن، وأحد أسباب العيش الكريم لهم ولأسرهم، تجدهم يتسابقون كل صباح لمواقع تجميع مخلفات البناء من أجل الظفر بأكبر قدر ممكن من الخردة، ينافسون في ذلك مئات الأشخاص من العمالة الوافدة الذين أصبح لهم منافس في هذه السوق. وظيفة متعبة عبدالله الشدوي شاب يحمل الشهادة الثانوية، يستيقظ منذ الصباح الباكر، يحرك السيارة التي خلفها والده الذي رحل وتركه يكابد هموم الحياة وحيدا، ويتجه صوب مردم النفايات وهمه توفير لقمة عيش كريمة بعيدا عن ذل السؤال، لأسرته المكونة من ثمانية أفراد، ويقول:“البحث أضناني فلم أترك طريقا للحصول على وظيفة إلا سلكته، ولم أجد أمامي سوى هذه المهنة الشريفة التي أكسب منها بجهدي وتعبي، صحيح أن الأمر قد يكون غريبا، لكن الأغرب أن يبقى الوضع على حاله وينتظر الواحد منا فرصة قد لا تأتي أبدا.. همي هو أسرتي، بالتالي أجمع كل ما تصل له يدي من أجل إعانتهم على هذه الحياة، أشقائي الصغار أريد أن يكملوا تعليمهم ويتخرجوا ويحققوا أهدافهم وأحلامهم، ولا سبيل سوى امتهان هذا العمل الشاق”. على فترتين وإلى جانب مردم نفايات البناء والترميم التقينا مناحي الرحباوي، وهو شاب لم يصل بعد العشرينيات من عمره، يتسلح بالشواكيش التي يكسر بها الخرسانة ليحصل على الحديد ويقول:“يشاركني أقاربي في هذا العمل المضني، نبحث يوميا عن الحديد، وأحيانا لا يتيسر لنا سوى جمع القليل، لأني لم أتمكن من إكمال الدراسة فكان لزاما علي أن أعمل، ووجدت رزقي في هذا المكان، فقد انخرطت في العمل منذ ثلاثة شهور، وأستيقظ مبكرا وأبدأ العمل حتى الظهر وأعود بعد ذلك عصرا، وأجمع الحديد والإسفنج ومن ثم إبيعهما على من يشتريهما”.. وعن المبالغ التي يكسبها يوميا يجيب:“تتراوح غالبا بين 140 إلى 150 ريالا، وهذا دخل جيد يساعدني على الحياة”. أما الشاب حاكم الأسعدي، فهو في العقد الثالث من عمره، ويقول:“للمرة الأولى أحضر إلى هذا الموقع وأجمع الحديد ومن ثم أبيعه، والكيلوجرام الواحد يساوي ربع ريال”.. ويضيف أبو محمد أنه غير سعيد بعمله هذا لكن لا سبيل سواه، ويؤكد أن ما يتحصل عليه يوميا يتراوح بين ال 30 و 40 ريالا. محاولات تطفيش أما الشاب عارف الشمري فيقول:“كوني أكبر أفراد العائلة وظروف والدي الصحية تمنعه من النزول إلى العمل لجلب لقمة العيش، ونظرا إلى أني ما زلت طالبا، فقد اضطررت إلى الحضور لهذا المكان بعد صلاة العصر لتوفير لقمة العيش الشريفة لي ولأفراد عائلتي”.. وعن الفترة التي يعمل فيها، قال:“لي ثلاثة أعوام وأنا مستمر في مزاولة هذا العمل”.. ولم يُخف عارف تذمره من العمالة التابعة للبلدية التي يقول: إنها تضايقهم كثيرا وتضيق الخناق عليهم بشكل دائم في محاولة لتطفيشهم وإبعادهم من المكان ليخلو لهم.. ويضيف:“في هذا المكان خير كثير، ولكن يحتاج إلى شخص صابر يعمل بلا كلل ولا ملل”. حراسة فقط وفي الوقت الذي التقينا فيه معظم الشباب السعوديين في المردم، حضرت سيارة تتبع لبلدية حفر الباطن، على متنها مجموعة من العمال من الجنسية النبجالية، نزلوا إلى أحد المواقع البعيدة عن مكان بحث السعوديين واستخرجوا كميات من الحديد المخبأ وحملوها في سيارتهم وانطلقوا بها، وتحدثت“شمس” مع أحد مسؤولي بلدية المحافظة وتحديدا (مدير صيانة الموقع) وعندما حاولنا الحديث معه حول حضور عمال البلدية وتكسبهم من المردم، رفض الحديث والخوض في الموقع مكتفيا بأنهم يحضرون بشكل مستمر لمنع الشباب من الاقتراب من المعدات لحظة تفريغ مخلفاتها خوفا على سلامتهم. أمر محزن من جانبه، اعتبر فهد بن محمد المطيري أن وجود الشباب السعوديين في أماكن كهذه، أمر محزن جدا، وقال:“يجب أن تهتم الجهات الرسمية بهؤلاء الشباب وتوجد لهم فرص عمل تكفيهم أعباء هذه الأعمال، خاصة إذا علمنا أن من بينهم شبابا يحملون شهادات ومؤهلات عالية، لكن العيش مر، وهو ما يدفعهم إلى مثل هذه الأماكن”. فيما قال الشاب فيصل بن دخيل الله السهلي: إنه يؤيد هؤلاء الشباب، طالما أنهم يساعدون أسرهم في سبيل الحصول على لقمة العيش الشريفة، بدلا من التسكع في الأسواق والطرقات.