غيّر عدد من الشباب مفهوم القوامة للرجل، ليتركوا الحبل على الغارب للزوجة، على أن تتحمل عنهم مصاريف الحياة، فيما انزووا لآخر الصف، متحملين بكامل قواهم العقلية الواجبات المنزلية، من ترتيب وإعداد الغداء وإرضاع الأطفال، دون أن يؤثر ذلك في تكويناتهم الرجولية. وتمر الحياة على عادتها، في منزل يديره رجل بشارب، وتصرف عليه سيدة بلا شارب، لتبدأ رحلة التغيير مصطحبة زوجة وراء أخرى، وينتشر الحدث في المجتمع، لتنضم الكثيرات للقافلة راضيات مرضيات، بدورهن الرجولي، فيما أصبح أزواجهن راضين مرضيين بثوبهم الأنثوي. وباتت الموظفة مطلب كثير من العرسان الباحثين عن الزواج، ليمرروا الطلب حفاظا على كرامتهم، مرة بظروف العولمة، وأخرى بمتطلبات الحياة المعيشية، وثالثة بالرغبة في رفع مستوى الحياة لهم ولأبنائهم في المستقبل، فيما الزوجات المغلوب على أمرهن، منهن من وجدت في قميص الرجل الدور المطلوب لفرض الرأي، ومنهن من أرادت الهروب من شبح العنوسة بأي شكل، وأخريات مغلوب على أمرهن بعدما اكتشفوا الواقع المؤلم بعد فوات الأوان، ولكن هل يتقبل المجتمع هذا التغيير، أم أن لكل قاعدة شواذ؟ لا أخجل من شاربي سلوى حسن لا تشعر بالخجل أبدا حين تتصل يوميا بمنزلها لتسأل عن أولادها، وتستفسر عن أصناف الغداء، فيما المجيب من سماعة المنزل زوجها، لكنها رغم شعورها بالراحة كونها استبدلت الخادمة بزوجها، في رعاية والاعتناء بأولادها في المنزل، تعترف بأن حالة من الامتعاض تنتابها أحيانا حينما تتهامس زميلاتها ساخرات من زوجها الذي يعمل “ربة منزل”. تقول “حين قبلت بالزواج كنت أعرف أن زوجي من دون عمل، وصارحني أهله بأن ابنهم يبحث له عن زوجة موظفة لتعينه على مصاريف الحياة، وقبلت بذلك، وبعد الزواج حاول العمل إلا أنه وجد الراتب لا يكفي لسداد مصاريف مشاويره، فعزف عنه، وما إن أنجبت وأصبح لدينا أبناء كانت الخادمة أول فكرة خطرت على بالي، إلا أن زوجي اقترح علي البقاء معهم في ظل افتقاده للعمل، ليصبح المسؤول عن المنزل، وأتحمل أنا مصاريف المنزل، إلا أن ذلك التبديل لم يغيّر من طبيعة علاقتنا فيما بيننا، أو يغيّر نظرة أحدنا للآخر، فكما بدأنا حياتنا بتفاهم وبوضوح، استطعنا التفاهم على طريقة تتناسب مع حاجات حياتنا”. تحوّلت لرجل لكن سلوى تعترف بأن الأمر لم يكن بالسهولة التي يتوقعها البعض، لأنه “في بداية زواجنا وجدت تدخلات كثيرة من أهلي، كوني أصبحت رب الأسرة الذي جهّز أثاث شقتنا، فتدخل والدي وأخوتي لإقناعي بأن زوجي رجل مستغل، كوني موظفة، فلا يكد في البحث عن عمل، إلا أنني كنت رجلا بالفعل في وقفتي أمامهم، وأقنعتهم بأنني متفقة معه على ذلك التحول، خصوصا في ظل عدم حاجتي المادية، إذ يكفينا راتبي وزيادة، لكن بعد إنجاب الأطفال، بدأت التدخلات من جانب أسرته، حيث كانوا لا يخفون رفضهم لبقائه في المنزل مع الصغار، ولا يخجلون من تعييري بعدم تأدية واجباتي المنزلية كأي أم، ومع ذلك لم يؤثر ذلك في علاقتنا ولله الحمد، في ظل القناعة التامة بتغيير الأدوار، لتمر حياتنا على طبيعتها وفي راحة وانسجام، ونتمنى ألا يتدخل الآخرون فيها لننعم بالهدوء وراحة البال”. عاطل مستغل وعكس سلوى كانت نهاد، التي لم تتحمل فكرة أن يقتات زوجها العاطل من راتبها، فآثرت الخروج بصفة مطلقة، بدلا من البقاء معه على نحو تتبدل فيه الوظائف التي جبلنا عليها الله تعالى، وتقول “لا أخفي أنني كنت أعرف مبكرا أنه عاطل دون وظيفة، لكني اعتقدت أن الأمر مجرد ظروف، ستمر ويجد عملا مناسبا، ولم أتوقع أن دواخله تكشف رجلا يريد الاعتماد كليا على راتب الزوجة، والبقاء بلا عمل، رغم أنه خريج جامعي، وفي إمكانه الحصول على الوظيفة المناسبة”. وتضيف أنه بدأ الاعتماد عليها بلا استحياء في كافة المصاريف المنزلية من سداد إيجار الشقة، وتعدى ذلك لمصاريفه الشخصية بفواتير الجوال، وكلما طالبته بالاجتهاد في البحث عن عمل، خرج ليعمل أسبوعا أو أسبوعين، ثم تعود ريمة لحالتها القديمة، ليتمسك بصفة عاطل، ويجلس في المنزل بحجة أن الوظيفة لم تناسبه، لأجد نفسي في النهاية لا أستطيع التحمل أو التعايش مع الأمر الواقع، خاصة أنني كنت أتحمل أيضا جميع مسؤولياتي المنزلية، فكنت أعود من عملي لأطبخ في المنزل، بينما هو يجلس ليشاهد التلفاز، أو يلعب على الكمبيوتر، وما يزيد الأمر ضيقا أنه بارع في تذكيري بفواتير الكهرباء والماء والهاتف، عندها شعرت بأنه عالة علي، تخلصت منه بالطلاق، لأنه خدعني واستغلني كوني موظفة”. الموظفة مطلوبة أم حسن خاطبة معروفة في منطقتها، تؤكد أن المرأة الموظفة باتت أول الشروط التي يطلبها العرسان من مختلف الشرائح، خاصة العاطلين عن العمل، وقد تمكنت من تزويج أكثر من موظفة على عاطلين عن العمل. وتعترف بأن رفض الأهل يعد العائق الوحيد أمام تلك الزيجات، حيث يرفضون في الغالب الزوج العاطل، إلا أن بعض المواصفات الأخرى تخفف من هذا الرفض، كمستوى عائلته المادي، أو وضعه الدراسي، خاصة إذا كان جامعيا، لكن إذا لم يتعد مستواه الدراسي الثانوية فمن الصعوبة أن أعثر له على فتاة تقبل به أو يوافق عليه أهلها، بل إن كثيرا من أولياء الأمور يشترطون في الزواج أن يكون راتب الزوجة لها، مما يتسبب في بعض الأحيان في مشكلات للزوجين”. أمان مادي أحمد عبد رب الرسول بعدما وضع العديد من المواصفات لزوجة المستقبل، إلا أنه لا يبحث الآن إلا عن صفة واحدة وهي أن تكون موظفة، ويقول “ما جعلني أفكر بهذا الشكل هو معرفتي بأن راتبي لا يكفي لتكوين أسرة تعيش في المستوى المتوسط، لذا بحثت عن موظفة تتعاون معي في مصاريف المنزل، فليس من العيب تعاون الزوجين في بناء حياتهما وحياة أبنائهما”. ويرى أنه إذا اقترن بزوجة عاطلة، فسيكون ملزما بالصرف عليها، فضلا عن مصاريف المنزل، وتأثيث المنزل، ومصاريف الأبناء، مما يجعله مستدينا على الدوام، مما يقلل من المستوى المادي الذي يمكن أن يتربى به أولاده، وقال “لا أتمنى أن يعيش أبنائي في مستوى مادي ضعيف، لذا بحثت عن موظفة، لأن وظيفتها أمان مادي لكلا الزوجين، ومتى ما اضطررت لترك عملي للبحث عن عمل آخر، فلن أحمل هم مصاريف المنزل”. أبحث عمن تعولني ولم يتردد صالح محمد في أن يجعل شعاره البحث عن شريكة عمر، موظفة، رغم الصعوبة التي وجدها أهله في توفير طلبه، في ظل عطالته، وبعد بحث وجد موظفة فتزوجها، ومع ذلك كان يخشى من تسرب الاعتقاد بأنه يستغلها ماديا، “كل ما كنت أتمناه زوجة متعاونة ومتفهمة قادرة على مشاركتي في تحمل بعض مصاريف الحياة الزوجية، وشعرت بالحرج الحقيقي كلما اصطحبت زوجتي في المطاعم أو الأسواق، لتدفع الفواتير ومقابل الشراء، لكن ما إن وجدت عملا حتى تغيّر الوضع كثيرا، وأصبحت أكثر راحة في تعاملي مع زوجتي”. ويشير إلى أن الزوجة الموظفة مطلوبة ليس فقط من الشباب العاطلين عن العمل، أو ممن يعملون برواتب متدنية، بل أراها مطلوبة ومرغوبة من معظم الفئات، إذ لم يعد الرجل ينظر لعمل المرأة كالسابق، ولم تعد متطلبات الحياة كعادتها، “وكل من يريد بناء أسرة يحتاج إلى دخل مادي عالٍ، ليوفر لهم كل حاجاتهم، وكثير من الأمور التي كانت تعد من كماليات الحياة، أصبحت من الضروريات، ومصاريف الزواج وتجهيز منزل الزوجية وحده يحتاج إلى ميزانية كبيرة، لا يقوى الرجال على توفيرها بمفردهم، إلا بالاستدانة، وتستمر حالة العوز والضيق بعد إنجاب الأبناء، فالحياة الزوجية تحتاج إلى تعاون بين الزوجين في كل الأمور”.