“هل نحن مجتمع إثني؟” هذا السؤال الملغوم كان عنوانا لبحث أعده الدكتور خالد الرديعان عالم الاجتماع السعودي، ونشره مركز أسبار للدراسات، في محاولة قد يصفها البعض بالمجازفة، لأنها تقترب من حافة الحساسية الاجتماعية التي يبديها أي مجتمع تجاه البحث في قضاياه الشائكة والملتبسة. وليس غريبا أن يثير البحث عاصفة من الجدل في الأوساط الاجتماعية السعودية، لا لأنه يحمل في طياته كوامن الاستفزاز فحسب، بل لأن الموضوع نفسه لم يكن محور نقاش إلا في دائرة ضيقة لا تخرج عن المجالس الخاصة والأحاديث الشخصية والعائلية. وإذا كان الدكتور الرديعان يناقش في بحثه الأسئلة المنغصة لبعض شرائح المجتمع، فإن القارئ- مهما بلغت سويته الثقافية أو كان انتماؤه الاجتماعي- سيقرأ الموضوع بحثا عن الإجابة التي يعده بها العنوان: هل نحن مجتمع إثني؟. لكن “شمس” التي التقت الرديعان في هذا الحوار تحاول أن تطرح التعقيبات الموضوعية التي قد يأخذها البعض على بحثه، والانتقادات التي ربما تكون على منهجيته وطريقة تناوله، وهو بدوره يدافع عن الأسلوب العلمي الذي اعتمده في ثنايا البحث: يصنف البدو أنفسهم إلى فئتين “رعاة الإبل” و“رعاة الأغنام”، وهناك تمايز فيما بينهم بسبب القيمة الاقتصادية للحيوانات التي يربون، حتى لو انحدر الجميع من قبيلة واحدة. فصاحب الإبل هو أرستقراطي وينظر باستعلاء إلى راعي الغنم، لأن “الحلال” والثروة الحقيقية من وجهة نظر البدوي هي الإبل، ومع ذلك فإن هذا التصنيف اقتصادي– إيكولوجي بالدرجة الأولى، وليس له علاقة بالأصل والفصل، والدليل على ذلك أن هذا لا يمنع من الزواج بين الفئتين إذا كانوا ينحدرون من قبيلة واحدة أو كانوا من قبائل متساوية في المكانة. * تمييزك للخضيري على أنه يميل إلى سمرة اللون.. يؤخذ عليه أن بعض أبناء القبائل سحنتهم سمراء أو شقراء أحيانا.. ما تفسيرك؟ أشرت إلى أن بعض أبناء القبائل تميل سحنتهم إلى اللون الأسمر، رغم أنهم ينحدرون من قبائل عربية معروفة، وهنا يجب ألا نغفل أثر العامل الجغرافي؛ فالشمس الحارة في الجزيرة العربية عامل مساعد في اسمرار لون البشرة، إضافة إلى حقيقة أن الرق كان شائعا في الجزيرة العربية، فقد كان شيوخ القبائل يتسرون بالإماء من أعراق مختلفة. ومن هنا أتى اللون الأسمر الذي نعيده إلى مصدرين: الطقس الحار، والتسري بنساء ذوات لون أسمر. * اعتمدت في بحثك على تسمية واحدة: “الخضيري”، وأغفلت تقسيمات اجتماعية أخرى مثل الصلبي والهتيمي.. لماذا لم تتطرق إليها؟ ركزت في تصنيفي على فئتين فقط: من ينتمون إلى قبائل كفئة واحدة “القبيليون”، ومن لا يستطيعون تتبع أصولهم القبلية أو أنهم يجهلون أصولهم “الخضيريون”، وقد طرحت عدة فرضيات حول التسمية ومن أين جاءت. أما القبائل الأخرى التي سألتني عنها وتحديدا “هتيم وصليب” فهي قبائل موجودة في الجزيرة العربية، إلا أن ترتيبها ضمن القبائل الأخرى يأتي في موقع متأخر لأسباب تاريخية وجينيالوجية (نسبة إلى علم الأنساب). وهناك بحث ممتاز ورد عند جبرائيل جبور في كتابه “البدو والبادية” يتتبع أصول هذه القبائل، ومن المفيد قراءته لمن أراد تتبع المسألة علميا. * هل هناك استقصاء علمي أو إحصاء مثبت لتحديد نسبة القبليين من الخضيريين أو نسبة من يرفضون الزواج أو التزويج التي حددتها أنت بتسعة من عشرة؟ نعم لا يوجد استقصاء علمي حول الفئتين: قبيلي وغير قبيلي، ولا يوجد إحصاءات في هذا الشأن لما ينطوي عليه هذا الإحصاء من تمييز عنصري للسكان على أساس أصولهم. * قلت: إن القبيلي كان يحتقر المهن اليدوية مع أن بعض أبناء القبائل “من الحضر تحديدا” امتهنوا الزراعة والحرف اليدوية.. ما رأيك؟ التغيرات الاقتصادية التي مرت على المجتمع السعودي جعلت كثيرا من أبناء القبائل يقبلون على مهن كانوا يحتقرونها في السابق كالزراعة؛ وبالتالي فالمهن لم تعد معيارا للتقسيم، بل إن المعيار لا يزال مرتبطا بالانتساب إلى قبيلة وليس إلى مهنة. * أصبح بعض الخضيريين اليوم أثرياء أو أرستقراطيين بالمدلول الطبقي، فمنهم أسماء لامعة بين أغنياء العالم.. ورغم ذلك بعضهم لا يزال يشعر بالنقص.. فما تفسيرك للأمر؟ ليس صحيحا أن من لا ينتمي إلى قبيلة يشعر “بالنقص” حتى وإن كان غنيا أو في مركز وظيفي مرموق؛ فالدولة لا تقيم أي اعتبار لهذا التصنيف لأنها تقدم خدماتها للجميع وتعاملهم على قدم المساواة في الحقوق والواجبات؛ بصرف النظر عن انتماءاتهم القبلية وجذورهم. * أخذ عليك البعض توصلك إلى نتائج مطلقة دون اعتماد منهج واضح ومحدد.. فما المعايير التي اعتمدتها في بحثك؟ منهجي في البحث إنثروبولوجي تاريخي، فأنا آخذ المعلومات من كبار السن، ومن مصادر تاريخية كالكتب، ومن خبرتي الشخصية كأحد أبناء هذا المجتمع. أما المعلومات التي أطرحها فهي غير قطعية ولا أدعي ذلك؛ ولكنها فرضيات قابلة للدحض والأخذ والرد. * هل تعتبر أن المجتمع السعودي مجتمع إثني؟ أو يميل إلى التعصب والعنصرية؟ وما الحلول التي تقترحها؟ المجتمع السعودي ليس مجتمعا إثنيا بالمفهوم الإنثروبولوجي، فهو متجانس إلى حد كبير، وجميع أفراده مسلمون، ويتكلمون اللغة العربية، والذي يجمعهم أكثر من الذي يفرقهم. أما التقسيم الذي أشرت إليه “قبيلي– غير قبيلي” فيؤخذ به فقط في الزواج في بعض المناطق وليس في كلها. أما القول بأن المجتمع السعودي عنصري فهذا قول يحتاج إلى إثبات، ولكن لدينا نحن السعوديين نزعة تمركز حول الذات، واعتقاد أننا أفضل من غيرنا.