لأول مرة وبعد سنين طوال أشعر أن قناة فضائية عربية قررت أن تحترم عقلية ومشاعر الجمهور العربي، بعرض مسلسل يفضح جرائم الصهاينة في أرض فلسطين السليبة. أذكر أن الإعلام العربي في السابق كان يسمي الأشياء بأسمائها -في الغالب- فيقول: حكومة الاحتلال الصهيوني، مثلا. ويذيع بعض الأغاني العربية عن فلسطين كلما حدث اعتداء جديد هناك. لكن هذا خفت وغاب وحل بدلا منه أغنية راقصة بعيد خبر عن مقتل عدد من إخواننا الفلسطينيين بأيدي الصهاينة. وكل ذلك بحجة أن الفلسطينيين عقدوا سلاما مع الإسرائيليين، ويا له من سلام! أعود إلى المسلسل الذي بدأ عرضه هذا الأسبوع في القناة الفضائية الأشهر، صحيح أنه عمل تركي بامتياز، وهذا يحسب لهم ويجبرنا جميعا على وقفة احترام للأتراك على هذا العمل الإعلامي الذي أغضب العصابات الصهيونية المحتلة. إلا أنه يحسب أيضا لقناة الإم بي سي (شجاعة) القرار بعرضه، نظرا إلى الظروف السائدة في محيطنا العربي. ورغم انتقاد الجمهور العربي لكثير مما يبث عبر الفضائيات العربية من مواد أفسدت الذوق العام وهبطت بالاهتمام إلى توافه الأمور، وغرقت في التقليد الممجوج والأعمى، واستوردت من البرامج المعلبة من دون تكييفها وتعديلها بما يلائم ثقافتنا، إلا أن عرض مسلسل (صرخة حجر) بث الأمل في النفوس بتغليب الراقي والجاد على الهابط والهزلي، مما يبث عبر القنوات الفضائية العربية. إن تأثير الإعلام وخاصة المرئي منه على الجمهور لايخفى على عاقل. كما أن الجمهور يبحث عن الجاد، وكل عمل يحترم عقليته وتفكيره، ومن المثير للسخرية والقرف أن تتذرع بعض القنوات التافهة بعرض مواد هابطة ورديئة على أن هذا ما يريده الجمهور. وكلنا يعلم أصداء عرض مسلسل (باب الحارة)، الذي تخلو شوارع رام الله وتهدأ على وقع أحداثه. على الرغم من أنه أبعد ما يكون عن الإثارة الغرائزية والبهرجة، بل على العكس، فمحور أحداثه عن القيم والتكافل وجمال البساطة، وهذا ما شد عشرات الملايين من العرب لمتابعة ما يذكرهم بما افتقدوه من القيم والجيرة وحب الخير. ترى هل عمل مسلسل سعودي على الطريقة المكسيكية فعل الشيء نفسه؟ لا أعتقد، وهذا محور مقالي في الأسبوع المقبل، ودمتم برعاية الكريم حتى ذلك الحين.