المكان يعج بالكآبة داخل غرفة كل ما فيها يوحي بذلك من مروحة السقف بطيئة الحركة، إلى ألوان الجدران الباهتة على وقع الإضاءة الخافتة، إلى السرير ذي الخشب المعتق المتهالك الذي فقد إحدى ساقيه وتم استعاضته بطرف صناعي من مجموعة كتب لروايات وقصص قصيرة محلية التأليف يغلب عليها طابع السير الذاتية المتواضعة، من بينها كتب من تأليف النائم على ذات السرير والذي يمارس التعسف ضد الإصدارات العربية حين لا يخرج منها بشيء ماتع، على عكس نظيراتها في الثقافات الأخرى التي تحتل الأرفف عن اليمين واليسار وعلى تلك الطاولة الخشبية التي تارة تكون سفرة طعام وتارة تتحول إلى مكتب، وفي أحايين أخرى قد تصبح مشرحة لتقطيع أكياس الأندومي لإعداد وجبة دسمة تسد جوعه حين ينشط بالليل في وقت تغلق المدينة أبواب مطاعمها وخدماتها، تلك الوجبة الشرق آسيوية المفيدة على عكس الكثير من الكتب والإصدارات المحلية التي تخرج بعد رهق مطالعتها بخسارة فادحة في الوقت والجهد في تقليب الصفحات، فهذا الشخص النائم يعتبر الكتاب وجبة تختلف قيمتها الغذائية على حسب ما تتركه من أثر فكري أو معنوي أو دعوة للإبحار بالخيال لدى قارئها، لم يعد يثق بنزفنا الأدبي، فعادة ما يخرج عند قراءة إصدار محلي بانطباع يوحي بمراهقة فكرية أو عقدة نفسية حجبت الإبداع وطفت على أسطح الصفحات، حاول كثيرا رغم عشقه للحرية أن يتخلص من هذا الانطباع عن أصدقائه المؤلفين دون جدوى، ربما كان لنماذج عالمية كرواية البؤساء، وذهب مع الريح وغيرها سبب في جعلها أنموذجا للمقارنة. يقطع صوت صمت المكان نغمة رسالة واردة يخرج يده من بين ركام الأغطية ليتلمس طريقه نحو الهاتف يتناوله وينظر في الرسالة التي تقول: لإنشاء قاعدة بيانات للأدباء والمثقفين الرجاء إرسال سيرة ذاتية إلى بريد النادي الأدبي، رمى الهاتف بعيدا باتجاه مروحة السقف الباردة في نشاط دورانها!. وأكمل مراحل سباته الطويل بعد مسامرة الورق والحبر الذي يقدمه على مصاحبة أصدقائه المتهكمين بقولهم: يجدر بنا تصويرك في غرفتك البائسة وكتابة تعليق لا للثقافة. وقبل أن يعاود النوم يأتيه اتصال يخبره عن الإصدارات الحديثة في معرض الكتاب، ويبدو أن العناوين تكشف المضامين وليس هناك ما يقضي على الفقر الفكري لينهي المكالمة، وقبل أن يطلق باكورة شخيره يتصل صحافي “شمس” النشط والمزعج “حمد الفرحان” طالبا المقال دون أن يعلم أنه قطع على هذا الشخص النائم حلم إيجاد فكرة لعلاج الفقر، ربما يكون آخر مشروع فكري يسعى لتقديمه قريبا هذا البائس الكسول!.