منذ زمن ليس ببعيد اقتصرت مهنة “الصحافي” على المحترفين فى مؤسسات معروفة لدى رجل الشارع، غير أن الأمور اختلفت الآن وظهرت “عفاريت” ترتدي عباءة الصحافة من خلال الشبكة العنكبوتية، وهؤلاء على استعداد تام لالتقاط أي خبر أو معلومة وعرضها فورا في مواقع الإنترنت، فهم يعشقون كشف الأسرار ليتناقلها المتصفحون من الشرق والغرب. وهم شباب لديهم القدرات التقنية اللازمة للتعامل مع الإنترنت وبث الأخبار من خلال كثير من المواقع التفاعلية عبر الفيس بوك والمدونات، وغيرها من فنون الصحافة الإلكترونية. فما هي حكاية “الصحافيون الجدد”؟، وكيف يمكن تفادي سلبياتهم وتعظيم إيجابيات الظاهرة الجديدة بما يخدم المجتمع ويحقق مصالح أمة بحاجة للاستفادة من كل تقنيات العصر للعودة من جديد لناصية الحضارة الإنسانية؟. خطبة ود لملامسة واقع الإعلام الجديد التقت “شمس” بعض الشباب الدارسين لهذا النوع من الإعلام، حيث يرى عبدالله المغلوث كاتب صحافي وطالب دراسات عليا في الإعلام الجديد أن هذا الإعلام الخفي أبطاله هواة لم يجدوا ساحة يبوحون من خلالها عن انطباعاتهم ومشاعرهم وتحتضنها فلجؤوا إلى الفضاء الإلكتروني الفسيح، بل نجح بعضهم في تأسيس شبكات اجتماعية إلكترونية واسعة الانتشار. ويضيف المغلوث: “أصبحت تحقق لهم أرباحا مادية جيدة عبر الإعلانات التي تتفوق على بعض الصحف الرسمية، كما حرص العديد من المحررين، الذين يتعاونون مع الصحف الرسمية، في خطب ود الصحافة الإلكترونية لإعادة نشر موضوعاتهم الصحافية المنشورة بالصحف الورقية على المواقع الإلكترونية، وحرصت صحف عالمية شهيرة مثل النيويورك تايمز والواشنطون بوست والجارديان على جذب آلاف الناشطين في المدونات والفيس بوك وتويتر وغيرها من الشبكات الاجتماعية واستفادت وأفادت”. ترخيص رسمي ويبرر عبدالله بركوت شغفه بقراءة الإعلام الجديد بأنه يتيح الحوار الجاد بين الكاتب والقارئ، ويقول: “لو وجدت الثقة في الإعلام التقليدي لما ظهرت الإشاعات والمقولة الشهيرة كلام جرايد”، فى حين يرفض “ماجد الجمعة” صاحب صحيفة الإخبارية الإلكترونية توصيف “الإعلام الخفي” لهذا النوع من الصحف لأن هناك جانبا غير خفي مثل الصحف الإلكترونية التى تمارس دورا إعلاميا واضحا من خلال شخصيات حقيقية معروفة جماهيريا ومصادر أخبارها واضحة، ودعا إلى تنظيم عمل تلك الصحف الإلكترونية الجادة بأن يكون كل من يرغب في فتح موقع سواء ناقلا أو محررا للأخبار حاصلا على تصريح رسمي من وزارة الثقافة والإعلام، وأشار إلى أنه شخصيا يفضل أن تكون صحيفة الإخبارية بتصريح رسمي، فالإعلام الإلكتروني يكمل الإعلام الورقي وليس معاديا له. فيما ترى سحر عدنانإعلامية” أن هذا النوع الجديد من الإعلام غير متكامل؛ لأنهم لا يملكون التصريح وهو مجرد “إعلام تجريبي”، ولم يصل بعد لمرحلة النضج، ولا يتفق معها فى نفس الرؤية “يحيى خان” كاتب روائي، الذى يؤكد القوة التأثيرية للإعلام الجديد فى تشكيل الرأي العام العالمي، وهو ما اتضح فى جريمة الغزو الأجنبي للعراق، وكذلك الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة. رضوخ للمافيا هناك حقيقة هامة مفادها أن الصحافة الورقية والإعلام المرئي لم يعودا حكرا على مؤسسات تملك الملايين سواء كانت تلك المؤسسات حكومية أو مستقلة، فقد تحول ملايين البشر الذين يستخدمون الإنترنت إلى “مراسلين” ينقلون الأخبار والأحداث بالصوت والصورة، ليطلع عليها جميع سكان الكرة الأرضية دون رقيب، وكانوا فى أحيان كثيرة أكثر إقناعا من الإعلام الرسمي، فقضية “لقاح إنفلونزا الخنازير” خير شاهد على ذلك، حيث نجح هذا الإعلام في التسويق لمضار اللقاح وعدم مأمونيته مقابل فشل الإعلام الرسمي الذي رضخ أحيانا لمافيا شركات الأدوية في إقناع الجمهور بتداول العقار الجديد للمرض، وهناك جهات رسمية فى دول ما نفت وقوع أحداث معينة، وكان الرد عليها بنشرها على مقاطع اليوتويب” بالصوت والصورة. ولا يرى فارس بن حزام الإعلامي المتخصص في شؤون تنظيم القاعدة غضاضة فى انتشار هذه الظاهرة بالدول العربية رغم بعض سلبياتها معتبرا الفيس بوك واليوتيوب مثل السيارة من الممكن أن يستخدمها القائد الواعي والمفحط”، وقد يستخدم تلك المعطيات العصرية علماء ينشرون قيما إنسانية راقية أو مبتكرات علمية تخدم الإنسانية، وقد يستخدمها إرهابيون للقتل والإفساد فى الأرض، لكن السيطرة على هذه المواقع العالمية ضرب من الجنون. وعن مدى استفادة بعض” التنظيمات الدينية” من هذه التقنيات، يقول ابن حزام إن تنظيم القاعدة استفاد كثيرا من هذا النوع الجديد من الإعلام ففي السابق كانوا ينشرون الأفلام التي يصورونها في منتدياتهم ويضعون روابط لتحميلها، وكان تحميل مثل هذه المقاطع يأخذ وقتا طويلا بالإضافة إلى محدودية الانتشار، أما الآن فأصبح من السهل جدا تنزيل أفلام بالصوت والصورة على مواقع اليوتيوب العالمية ليشاهدها الملايين دون معاناة التحميل الإلكتروني. تسالٍ وبعدها جد وفى تشخيصه للظاهرة يشير الدكتور أحمد هلال طلبه أستاذ الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى أن الممارسات الفعلية لهذا الإعلام بدأت بمجموعة من الشباب المطلع على المعارف الحاسوبية وتكنولوجيا الاتصال، وكانت البداية بهدف التسلية والترويح، إلا أن بعضهم وجد صدى كبيرا لهم داخل المجتمع خاصة ممن كانت رؤى ووجهات نظرهم واضحة تجاه قضايا معينة، حيث كان الشخص يعبر عن رأيه في القضية المطروحة بحرية تامة مستخدما اسما مستعارا، ثم حدث تكوين مجموعات “جروب إلكتروني” حولت العالم المعاصر إلى قرية صغيرة فعلا. ويقول: “لا تدرك الغالبية العظمى ممن يمارسون التفاعل عبر الشبكة أن مثل هذه الممارسات تندرج تحت مظلة الإعلام، وليس مجرد “تسالٍ”، فهناك مؤسسات وهيئات وأفراد ودول تستغل هذه المنابر لتحقيق أجندات معينة أو استخدامها كورقة ضغط ضد جهات ما”، مؤكدا صعوبة السيطرة على إعلام الأفراد الجديد إلا من خلال تكوين عدد غير يسير من المجموعات تكتسب مصداقية في طرح موضوعاتها وقضاياها لتكون النواة التي يلتف حولها الآخرون، وبالتالي تتمكن فيما بعد من تكوين رأي عام إيجابي تجاه القضية التي تتبناها هذه المجموعات، إلا أن هذا الأمر يتطلب كثيرا من الوقت والجهد والدعم بكافة أشكاله مثمنا دور وزارة الثقافة والإعلام فى تنظيم الإعلام الإلكتروني لمعالجة الوضع المتردي الذي وصلت إليه بعض الممارسات الإلكترونية.