المشهد لعائلة صغيرة تجتمع أمام التلفاز بملل واضح إزاء تمسك الأب بمتابعة نشرة أخبار دموية، وما إن طفح الكيل حتى تدخلت الأم لنزع السيطرة بتغيير القناة إلى مسلسل بكائي يعرض الظلم الخيالي الذي تتعرض له حواء في الأرض، مما لم يكن للزوجة أن تقف ضده مكتوفة الأيدي من دون أن تبدأ بفتح صنابير عينيها الكحيلتين زارفة الدموع بغزارة غيمة شتوية. في هذه الأجواء يعبر الابن عن وجوده بشد شعر الخادمة التي تضع صينية الشاي على الطاولة، بينما الابنة تحاول التعاطف مع أمها دون أن تعي ما يجري فتذرف هي الأخرى دمعة صغيرة، عندها يدرك الأب وتليه الأم أن للأبناء حقا في أن يبحثوا عن قنوات أخرى. يمرون بقنوات الرياضة، وصح لسانك، ويقفزون منها إلى قنوات الواقع، وبحركة من رأس الأب الرافض يواصل قيادة التحكم ويقع على نشرة أخبار فترتسم على محياه ابتسامة الرضا التي لم تدم بسبب نظرة الزوجة الحارقة ليذعن حتى يصل إلى قنوات الألغاز ويتوقف ليقرأ بصوت مسموع قائلا: شيء يعيش في البحر ويبدأ بحرف السين وليس سمكة؟ تصرخ الزوجة التي تحب حل الألغاز منذ أن تعلمت كيفية فك طلاسم ملامح زوجها أثناء حديثه بالهاتف فتقول: الإجابة.. سنجاب! ينظر إليها الزوج بملامح تشبه تقاطيع وجه النادم على ضياع مستقبله الوظيفي حين لا يجد واسطة في مفاضلة وظيفية ويرد بسخرية: سنجاب، طيب عرفنا، لسهولتها ولا تحتاج إلى كل هذا الحماس، بينما يواصل التنقل بين القنوات التي ساعدت على زرع الثقافة والتطور الفكري لدى المشاهد، وفجأة يصرخ الابن بحماس شديد طالبا من والده التوقف لمجرد سماع أصوات الرشاشات والقنابل في فيلم كرتوني ينتهي بعبارة صراع القوة، فيصفعه الأب على قفاه بعنف موجها وناصحا بقوله: لا تتابع أفلام العنف! وفجأة يجذب انتباه الأب تعليق على برنامج يقول: كيف تبني بيتا من أخشاب الغابة بأقل التكاليف، فتقاطعه الزوجة بعباراتها المحبطة دوما قائلة: لو فيك خير كان عندنا بيت ملك مثل غيرنا! يتهرب الأب من الموقف الذي سببه لنفسه بالبحث عن قناة أخرى فيطغى عليه حنان الأبوة بعد أن شعر ببؤس فقد حنان الزوجة فقرر العيش من أجل أبنائه لهنيهة بتوقفه عند برنامج يختص بتقديم مواهب الأطفال بمختلف جنسياتهم العربية، ومن المؤسف أن تتمحور المواهب العربية كالعادة في الشعر والغناء لنرى الطفلة ذات السنوات البسيطة تغني (أنا مش بتاعة الكلام دا). هنا كففت عن الخيال التعس وأغلقت التلفاز بعد جولة قنواتية أوحت بما سبق.