الشعوب والحضارات الإنسانية كافة قامت على قواعد من الإرث الإنساني القديم الخاص بها، وحتى تلك البائدة لم يبق لها من أثر سوى ما قدمت وكتبت يداها من آداب وفنون تبقيها بعيدا عن سلة مهملات النسيان. ولا يخفى على أحد منا أهمية الإرث الإنساني الذي تترجمه الفنون المختلفة من فن الكتابة إلى فن الرسومات إلى فنون الموسيقى وغير ذلك. ومع التطور في أدوات الإنسان تطورت الجدران والصخور في أعالي الجبال، وأصبحت عبارة عن شريط (vhs) أو أشرطة أخرى بيتكام وغيرها، وصولا إلى الأشرطة الممغنطة، التي تقوم بحفظ الإرث الإنساني بغض النظر عن عرضه ربما للتسلية في الوقت الراهن. لذلك أزعم بأن وزارة الإعلام في أي بلد شرقي كان أم غربيا مسؤولة ليس عن عكس حضارة بلدانها من خلال ما تعرضه في زمنها الحالي، بل تقوم بواجب تصدير حضارة الزمن الحالي إلى أزمان متوالية قد تطول وتطول إلى أن تصل مواد البث تلك إلى آخر كائن بشري قد يتنفس الأوكسجين في هذه الدنيا. تخيلوا معي لو أن أحدا من أحفاد أحفاد سلالتنا البشرية لم يقبل في الجامعة في أقسام مطلوبة، واضطر إلى الالتحاق مُكرها بقسم الآثار والمتاحف عفوا ما زلت أتخيل أننا سنصدر عقدنا ومشكلاتنا الحالية إلى الأحفاد - ما يهمني هو أن نتخيل بالفعل سويا ما يمكن أن يمثلنا في الوقت الراهن لدى أجيال متعاقبة قد تحاول الفخر بمنجزاتنا نحن الأجداد، أيضا أفترض أن عقدة المفاخرة بمنجزات الآباء ستنتقل للأحفاد بعد مئات السنين ولكن العروبة تتطلب ذلك.. فما الذي برأيكم سيكون مرآة لهم يعكس واقعنا الحقيقي الذي كنا نعيشه من خلال أعمالنا الفنية أو الكتابية أو المرسومة، أو حتى سينمائية أو تلفزيونية قد صورتنا بظلم وجور أم أنها قدمتنا كما نحن، عندها ماذا عساه يجد؟ من الطبيعي لن يذهب إلى أعالي الجبال ولن يبحث عن الصخور ليفك طلاسم الرسوم كما نفعل الآن، بل سيذهب لأرشيف وزارة الإعلام وأرشيف القنوات ليبحث عن إرث أجداده المحفوظ على تقنيتنا التي ستصبح بالنسبة إليه مدعاة للضحك كما نضحك على أسطوانات أم كلثوم عند مقارنتها بالس دي والذاكرة (الفلاش ميموري). حتما سنتمنى أنه اكتفى بالضحك على شكل تقنياتنا ولم يتطفل ويفتح ليرى مضامين إرثنا الثقافي الذي سيصيبه بصدمة قد تجعله ربما يتبرأ من انتسابه لنا.