ما الذي قد يجده لو نبش أحد أحفاد أحفادنا إرثنا الثقافي في المجلات الفنية سوى مواضيع سخيفة وتصويت للجمال تكرر درجة الملل، ولو انتقل للصحف فسيجد أن تواريخ بعض المنجزات الصناعية الحالية يقابلها صحافة تتكلم عن ماكينة خياطة لا أحد يعلم حتى بعض الجهات العلمية صحة ما أطلق حولها من شائعات. وفي حال انتقل للمادة المسموعة إذاعيا فسيصعق بسماع “مين عنده نكتة يا مستمعين” أو من يقدر يردد الجملة خمس مرات (جملة رخيصة) يا للهول. ولو ترك كل ذلك وقفز إلى المسلسلات فسيجد مسلسلا يدور حول تعذيب الزوجات، متعجبا من أين كان لأجدادي كل هذه الدموع، أو سيجد بعض الأعمال التي تتناول المجتمع على أنه بهائمي بغرائزه التي تدفعه للخطف والابتزاز والانحطاط البشري. ربما سيخجل أكثر عندما يهرب إلى الروايات بحثا عن الجانب الفكري الأكثر رقيا، فليته لم يفعل لأنه سيجد الكثير منها مثقلة بأحداث جنسية للإثارة وحسب. وسيذهب للشعر فيجد والله أني أحسن من فلان ويا فلان طلبتك سلف، سيخجل كونه حفيدا للمتسولين، سيهرب للشعر الفصيح فيجد مثل قول أحدهم: أفتش عن امرأة خمرية! مذيلا مقالاته بالاسم وبأنه من مقهى بشارع الشانزلزيه مضيفا بريده الإلكتروني وبقي وضع رقم هاتفه بغرض التواصل البشري، ورسالته السامية أفتش عن فتاة خمرية، سيقول حفيدنا (وأنا ما لي يعني لازم تعلمني أنك رحت فرنسا وتفتش عن فتاة، وهل يمكن أن تفتش لي أيضا عن فتاة بأي لون يا مبدع المقاهي الشانزلزيه. وليته يكتفي بذلك قبل أن يجول في ذهنه معتمدا على ما سبق قائلا هل كان أجدادي يعيشون في مرقص (كباريه) وانقسموا إلى قسمين؛ قسم يريد تعديل الوضع بالعضلات وقسم يتابع بنهم كل ما يقع عليه بصره، هل كان أجدادي بلا قضية يتحدون حولها على الأقل؟ هل كانوا بلا مشاكل إسكان أو قصور إداري واحتياجات تفرض نفسها على خريطتهم الفنية؟ والحل إما أن نعزم على قطع نسلنا حتى لا يأتي من ظهورنا من يخجل من إرثنا الإنساني، وإما أن يتدخل كل وزير إعلام أو مسؤول تحرير ليسهموا في تطوير العمل الفني من خلال انتقائية الأعمال بعقول لجان غير قديمة وبعيدا عن المحسوبيات التي ما إن تدخل من باب حتى يخرج الإبداع الحقيقي من النافذة.