التراجع عن بعض العادات الاجتماعية التي تحمل قيما إيجابية، يعني إحلال قيم سلبية مكانها، ولو لم تحل تلك القيم مع إقصاء الإيجابية، فتلك سلبية اجتماعية لها خطرها المؤكد، وعندما يعمل الشباب على تجاهل القيم الاجتماعية فإن ذلك يدخل في ثقافة العيب، إذ لم تعد هناك غرابة في بعض السلوكيات التي يقوم بها الشباب، كأن تجد شبابا يمتنعون عن العزائم أو يتهربون منها أو يتنصلون من المشاركة المادية في بعض المناسبات، وليس بمستغرب أن تنتهي بعض الجلسات والعزائم والولائم والطلعات الشبابية بملاسنات حادة أو إعلان بوقفها في ظل تهرب البعض من سداد التكاليف أو المشاركة بجزء بسيط أو توزيع التكلفة بطريقة غير عادلة، أو أن يتكفل أحدهم بدفع تكاليف نزهة على أن تدفع له من زملائه، فيتفاجأ بالنكران والتملص. كل هذه السلوكيات والنتائج ألغيت من قواميس العديد من الشباب الذين اتجهوا إلى قانون «القطّة» وهي نظام متعارف عليه في المجتمع لدى بعض الشرائح، وآخرون لا يتقيدون به، إلا أنه ومع المشكلات المترتبة على مصاريف الرحلات والولائم والمشاركات الشبابية بشتى أنواعها، فرضت نوعا من الالتزام بالقطّة كنظام لا يخترق، ومبدأ ينهي النزاع ويفرض المساواة على الجميع، وقانون يريح الجميع ويبدد مخاوف التملص والتهرب التي يقع فيها العديد من الأجاويد في ظل مقالب وضعت لها القطّة حدا صارما وضربت بأفكار البخلاء، وبحسابات من يرجح مصلحته على مصلحة الآخرين، عرض الحائط. ومع ظروف الحياة وارتفاع ميزانيات المصاريف في الآونة الأخيرة، أصبحت أمرا مشتركا، بل إنها أصبحت بمثابة النقطة الأولى لتنفيذ أي نشاط أو رحلة أو سفر أو نزهة أو اجتماع، يحتاج إلى مصاريف، فيعد الشباب المشاركون قائمة بالمبالغ التي تتكلفها الرحلة ويوزعونها على الجميع بالريال. وقف المقالب عدد من الشباب أكدوا أن نظام القطّة أراحهم كثيرا، على الرغم من بعض المقالب التي تحدث فيه، فناصر الشهراني وقع ضحية مقلب من زملائه الذين خرج معهم لنزهة في متنزه الحبلة بعسير، حيث تكفل بدفع مصاريف وصلت إلى 800 ريال، على أن يدفع له زملاؤه بعدها، فوقع في مقلب منهم، حيث لم يصله إلا من أربعة منهم مبلغ 400 ريال، وتملص الباقون، وبعدها قرر هو وزملاؤه أن يكون نظام القطّة قاسما مشتركا في أي نزهة أو رحلة أو حتى وجبة مهما كانت قيمتها، حتى يرتاح الجميع وتوظف من خلال ذلك المساواة والاشتراك بين الجميع، والنجاة من بعض المقالب التي يقع فيها الشباب، ولكن القطة والدفع سلفا توفر أجواء مريحة في أي نشاط بين الشباب، وتلغي المشكلات وتزيل العوائق. سمات الأجاويد علي محمد الأسمري، موظف، يؤكد أنه كان على نيته، وأصبح في يوم ما يقضي مصالح بعض زملائه البخلاء، على حد تعبيره، حيث إن بعضهم يتحجج بعدم وجود ما يكفي للصرف، أو يتعذر بأنه سيدفعه له لاحقا، وهكذا، فما كان منه إلا أن استمع لنصيحة زميل له بعدم الدفع وعدم المشاركة بأي مبلغ إلا بنظام القطّة التي أكد أنها أزاحت عنه همّا، حيث كان يقضي جل وقته في ملاحقة المتنصلين من الدفع، في وقت كان يفتخر ببعض عبارات المديح التي تضفي عليه سمات الأجاويد، ولم يكن يعلم أنها نوع من المصالح التي يتحصل عليها بعض زملائه على حسابه الخاص، ولكنه أوقف ذلك ووجد نظام القطّة كفيلا بالمساواة واعتدال الحقوق والراحة في أي رحلة أو طلعة أو نزهة شبابية. خسائر البخلاء ويشير سلطان السهيمي إلى أن نظام القطّة أصبح بمثابة الضربة التي تلقاها عدد من البخلاء، الذين كانوا يمررون خططا خفية وأعذارا واهية للتملص من دفع التكاليف أو المصاريف، حيث إن البعض يتأخر بحجة أن لديه ظرفا ما، ونتفاجأ بعدها أنه يحضر بعد أن يتأكد أننا دفعنا مصروفات الرحلة أو المناسبة التي كنا فيها، فيأتي ويحصل على أهدافه، ولكننا في الفترة الأخيرة أصبحنا نتصل ببعض الزملاء الذين صدرت منهم مواقف مختلفة، ونلزمهم بالقطّة أو عدم الحضور، وحتى إن جاء متأخرا وقد تم دفع التكاليف، فإننا نلزمه كذلك بدفع حصته في القطّة، وبالتالي أسهم هذا النظام في وقف سلوكيات البخلاء، وأصبحوا يعرفون مسبقا أنه لا عذر لهم. نظام متميز ويؤيد بندر القحطاني نظام القطّة الذي دأب الشباب في الآونة الأخيرة على انتهاجه في رحلاتهم وطلعاتهم، ويصفه بأنه نظام جيد يوظف التشارك في المسؤولية واقتسام التكاليف، خصوصا أن هذا النظام بدا قاسما مشتركا في طلعات الشباب، ما ينعكس إيجابا على التكاليف فيسهم ذلك في تخفيض التكلفة على المشاركين لأن المصاريف تقسم على العدد الكلي، وبالتالي تسهم في مصلحة الجميع، ويضفي على الطلعة أو المناسبة جوا من الراحة والمشاركة والتعاون. ويضيف: “تسهم القطّة كذلك في تأصيل مفهوم التعاون حتى أنها خرجت من نظام للتكاليف نحو مساعدة الشباب الذين تحصل لهم ظروف معينة، أو مشاركة أخرى، ودعم لآخرين في مشروعات أخرى، وبالتالي فإنها تعكس واجهة إيجابية نحو التعاون والمشاركة الإيجابية”. لا مكان للمعارضين ويؤكد مجموعة من الشباب أن ميزة نظام القطّة توفيره لهم جوا من الارتياح، ولا يجدون حرجا في منع أي شخص من المشاركة، لأن النظام أصبح عادة لديهم خصوصا وسط الأصدقاء الذين اعتادوا الخروج في إجازات نهاية الأسبوع، أو بعضهم مع بعض، أو كان لديهم التزامات لدى صديق، أو خلاف ذلك، ويشيرون إلى أن طريقة منع المعترضين على نظام القطّة، أو من يتهربون منه، يعيق نشاطاتهم، ويتسبب في إيجاد عوائق مختلفة، ولكنهم يؤكدون أن التعاون والتشارك أمر حتمي في هذا النظام، ويسهم في نجاح أي رحلة أو نزهة أو حتى وليمة، حتى أن ذلك يخفف من وطأة المصاريف عليهم، ويجعلهم يستمرون في أنشطتهم. مزايا إضافية ويرى عبدالعزيز الأحمدي، موظف قطاع خاص أن نظام القطّة بدأ من جلسات الشباب، وأصبحت له مزايا إضافية وإيجابيات متعددة، تتمثل في أنه يسهم إيجابا في التعاون في إقامة المناسبات أو تكريم الزملاء أو تنظيم واجبات الضيافة لزملاء آخرين، أو أي مناسبة أخرى، فيشترك الجميع تحت أمر واحد، وبالتالي يتعاونون وتقل عليهم التكلفة بوجه عام، وهذا أمر متميز أصبح من المسلمات، والأمور التي نتشارك فيها كزملاء، سواء في العمل أو لدى الأصدقاء خارج العمل، وقد نتجت من ذلك العديد من النتائج الإيجابية الرائعة حتى أنها تعدت النظام المحدود بين الشباب إلى مساعدة أصحاب الظروف، أو ممن دخلوا مشروع زواج أو شراء سيارة أو بناء منزل وخلافها. وأبرزت ثقافة القطّة العديد من المزايا والإيجابيات لدى عدد من الشباب، حيث أكد عدد منهم أثناء وجودهم في أحد المطابخ بمدينة جدة أنهم كانوا يتوجهون لمطاعم شعبية لتناول وجبتين أسبوعيا، عبارة عن مأكولات متوسطة السعر، ولكنهم عمدوا إلى طريقة جديدة بأن ضمّوا إليهم عددا جديدا من الشباب، وأصبحوا يتجهون لتناول وجبات دسمة عبارة عن نصف ذبيحة مرتين أسبوعيا، حيث أسهم نظام القطّة في تخفيف المصاريف عليهم. يقول سعد الذبياني: “من شدّة تمسكنا والتزامنا بهذا النظام، جهزنا فريق عمل لأي رحلة، وأحد أهم الأنشطة هو أن يتولى شخص من مجموعة الأصدقاء مسؤولية جمع القطّة من الزملاء في يوم السبت من كل أسبوع، وهو الذي يتوجه الى المطبخ أو المطعم لحجز الوجبة الكافية لعددهم، سواء تم تناولها في المطعم أو خارجه، ومن ثم يقوم آخرون بتوفير موقع مناسب لتناولها وتنظيم جلسة شبابية لهم”، مؤكدا أن القطّة أحيانا تتجاوز قيمة الوجبة، وما يتبقى يتم صرفه على وقود السيارات التي تنقلهم، والمشروبات، ولوازم الرحلة، مضيفا أنه وزملاءه مرتاحون جدا لذلك، وأسهمت القطّة في تنظيم نشاطهم، وتنمية ثقافة الالتزام والتشارك، مشيرا إلى أن ذلك يعد من إيجابيات هذا النظام التشاركي، حتى أننا نستطيع أن نواجه التكاليف بيسر وسهولة لأن العدد كبير وبالتالي تخف التكلفة علينا. وأكد عزيز العتيبي، موظف حكومي، أن القطّة أسهمت في العديد من المناحي الإيجابية الحياتية، وانعكست بالإيجاب على الأصدقاء والزملاء، وأضفت جوا من الإخاء والود، مضيفا أنها تمثل جانبا عمليا وجيدا يسهم في التعاون وتقليل التكلفة، وتنمية ثقافة الالتزام بين الأصدقاء.