انهالت في الآونة الأخيرة نتائج المسابقات الثقافية المتتالية في العالم العربي، وهي أنباء يجدر بها أن تكون مبهجة ومبشِّرة، لولا ما يحاك فيها وحولها ومن خلف أسوارها من أقاويل شتى ينبغي التثبت من صدقيتها أو افترائها! والوسط الثقافي الذي تعوّل عليه المجتمعات العربية في ترسيخ القيم النبيلة، قد يصبح (أو ربما أصبح) بمنظور هذه المجتمعات، منغمسا في الفساد بسكوت بعض رموزه عن الاختراقات التي اعترت هذه الأحداث الثقافية، أو بمشاركة بعضهم بصورة مباشرة في فعاليات (اتهمت) باختلال المعايير وانعدام قيم النزاهة والشفافية. فالتحقيق الذي أجرته “شمس” عن (بيروت 39) قبل فترة وجيزة، أظهر تواطؤا (مقصودا أو غير مقصود) على تلويث المسابقات التي يفترض أن تظهر الجانب المشرق من الثقافة العربية، لا الجانب المظلم من المثقفين العرب! حتى نتائج (البوكر) لم تسلم من شبهة الترتيب المسبق للفائز، حسبما أشيع عن حبكة بسيطة لسيناريو الترشيح، ستنتهي على طريقة الأفلام السينمائية (المسلوقة) بفائز هو البطل المطلق لفيلم أراد له (المخرج) نهاية مشرّفة، لولا أن فضيحة مدوية قد تعصف، في نهاية الأمر، بقدرته الإخراجية الهزيلة. لذلك لم أفهم معظم رسائل اللوم والعتب التي وصلتنا، كما لم أفهم إعراض بعض الأدباء عن المشاركة في تحقيق صحافي متوازن يعطيهم الفرصة لتوضيح موقفهم، بينما قد يُفهم إعراضهم على محمل سيئ. وبعض الرسائل تعترض على مساءلة المثقفين وحدهم دون اللجان المنظمة، مع أننا ذكرنا في التحقيق إحجام المسؤولين في بانيبال عن التعليق على (بيروت 39)، وأشرنا إلى تجاهل جمانة حداد في (البوكر العربية) لرسائلنا. فهل يأمل المثقفون والأدباء من الصحافة أن تصفق لإنجازاتهم وتدغدغ نرجسيتهم دون أن تسائلهم عن مواقفهم؟ ألا تتطلب الموضوعية من الإعلامي أن يستنطق الضيف بأسئلة خصمه من دون أن يتخذ موقف هذا الخصم بالضرورة؟ بينما الحياد خرافة كبرى ومطلب غير معقول، فمن يكون محايدا في مسائل الوطنية مثلا؟ يبدو أن طموحي كان ساذجا حين انتظرتُ من التحقيق أن يدفع أحد المشاركين في الفعاليتين للتلويح بانسحابه مطالبا بتحقيق رسمي ومستقل لتأكيد نزاهة اللجنتين المشرفتين أو تورّطها، أو ربما إثبات تحامل الصحافيين والمنسحبين. ومن الغريب حقا أن يتخذ المثقفون (الموضوعيون) و(المنهجيون) من العمل الصحافي (الموضوعي) موقفا شخصيا، كأن التحقيق يتعرّض لشخوصهم لا مواقفهم (الموضوعية) بل أن يميل بعضهم إلى التشكيك في (دوافع التحقيق) المدسوس (بأيد خارجية تبطن نوايا خبيثة!). أين سمعتُ هذه الجملة؟ نعم.. تذكرتُ: في الإعلام العربي الرسمي.. ألا يشبه المثقفون المسؤولين في نهاية الأمر؟ (منهم الصالحون ومنهم دون ذلك).