من المعروف أن الزواج يفرض على الرجل مستوى معينا من الإحساس بالمسؤولية، كما أن إنجابه للأطفال قد يدفعه إلى تغيير مساره الحياتي نحو مسار يحقق أمن وسعادة أبنائه. ولكن هل يمكن اعتبار ذلك حقيقة ثابتة؟ وهل هي ملزمة لجميع الرجال أم تختلف باختلافهم؟ الواقع أن عدم وجود إجابة عن هذا السؤال هو ما تسبب في المشكلة التي يستعرضها هذا التحقيق؛ إذ يجري التعامل مع الشبان من قبل أسرهم وكأنهم من نموذج واحد؛ فتتوقع الأسر على الدوام أن (تزويج) أبنائها كفيل بتهذيبهم وإصلاحهم ودفعهم نحو مسار حياتي فعّال ومفيد. ولكن من الواضح أن بعض الرجال يعتبر الزواج مكافأة على أفعاله، سواء كان مدمن كحول أو مخدرات أو يتعامل بمتاجرات غير قانونية، أو عاطلا عن العمل؛ فلا يغير الزواج من طبيعته شيئا، وكل ما يحدث بعد زواجه هو أنه يجد امرأة يلقي عليها عيوبه لتسترها، ويجد زوجة يتوقع أنها ستتحمل مشاكله وفضائحه إلى الأبد. يستعرض هذا التحقيق وهم (العلاج بالزواج)، من خلال آراء مواطنين ومواطنات، منهم من خاض التجربة، إضافة إلى تعليق من جمعية حقوق الإنسان وبعض المختصين في هذه القضية. لوم أهل الفتاة لو لم يجد أهل الرجل غير الصالح أسرة توافق على تزويج ابنهم لاضطروا إلى تقويمه وإرغامه على السلوك الحسن قبل أن يتخلصوا منه على حساب فتاة بريئة.. من هذه النقطة تبدأ نورة الدوسري حديثها، ومن الواضح أنها تلوم أهل الفتاة الذين يوافقون على زواج من هذا النوع، رغم علمهم بعدم صلاحية الزوج. وتضيف: كل المشكلة تكمن في الآباء والأمهات الذين يجبرون بناتهم على دخول تجربة لأجل ولد عم أو ولد خال أو ولد صديق أو صديقة، فالمرأة في مجتمعنا تعامَل كمخلوق من الدرجة الثانية، ويمكن إهداؤها أو بيع حياتها مقابل إصلاح حياة شاب طائش!. وتتابع الدوسري: “لن يكون هناك حل حتى يتخلص المجتمع من مورثاته الاجتماعية الذي أكل عليها الزمن وشرب، بدءا من (زوج من عود خير من قعود)، وحتى فتح صفوف (لمحو أمية) الحقوق والواجبات بين الزوجين”. عادات رجعية ومن ناحية أخرى تقول نورة القباني إن هذه المشكلة أساسها اجتماعي، وليس دينيا، ولكن رغم ذلك “لا نجد جهودا من قبل الوعاظ والمشايخ للفت الأنظار إلى هذه القضية؛ فهم يصمتون تجاهها وكأنها أمر إيجابي”. وأضافت: “هذه مجرد عادات قديمة تزايد نفوذها”. وتابعت: “يُنظر إلى المرأة وفق هذه العادات الدخيلة على أنها أداة متعددة الاستخدامات في حياة الرجل، فيمكن أن تستخدم كزوجة وكخادمة وكصارفة على المنزل، كما تستخدم كطبيبة نفسية لتعالج الطائشين والمدمنين.. والحقيقة أن المرأة ليست كذلك، وليس هذا دورها، ولا هذه مهمتها”. أمر شائع وتقول فاطمة الحربي إن هذه القضية تجد شيوعا كبيرا بين الناس هذه الأيام، وحالما تكتشف أي أسرة أن ابنها منحرف إما بالإدمان أو سواه فإنها لا تبحث عن القنوات الطبيعية لمعالجته؛ بل أول ما يخطر على بالهم هو أن يقوموا بتزويجه ظنا منهم أن ذلك سيعدل حياته، ولكن المصيبة أن هذا الزوج المنحرف قد يحيل حياة زوجته إلى جحيم، وهذا ما يحصل في أكثرية هذه الحالات التي تنتهي بالطلاق غالبا. وتضيف: الزواج لكي ينجح على الرجل أن يكون في عمر مناسب وواع عند الزواج؛ حيث يستطيع تحمُّل مسؤولية الزوجة والمنزل والأطفال. وتابعت: “قد تستطيع المرأة بوصفها زوجة مساعدة زوجها الناضج في تخطي بعض العادات، والزوج الناضج يستطيع تفهم ذلك ويقدر هذه المساعدة، وغالبا ما تنجح المساعي، ولكن الزوج المراهق حتى وإن كان في سن كبيرة فإنه ينظر إلى كل خطوات المساعدة بشكل لا يخلو من الاستهزاء؛ ما ينعكس سلبا على نفسية زوجته أولا، ثم على حياتهما الزوجية بالكامل؛ فيكون الحل في الطلاق”. الدافع الذاتي ومن الجانب الذكوري قد تختلف الآراء شيئا ما؛ حيث يقول محمد العساف: “إن دور المرأة في تقويم الرجل معروف وثابت، ويعترف به كل الرجال العقلاء”. ويؤكد أن كثيرا من الطائشين انقلبت حياتهم رأسا على عقب بعد أن تزوجوا بنساء واعيات استطعن مساعدتهم على تخطي مشاكلهم. ولكن السؤال كان: هل من واجبات المرأة أن تعالج وتقوّم أخطاء الرجل، بغض النظر عن جدوى ذلك العلاج؟ يجيب العساف بأنه من المفترض أن الزوجين يعالجان أخطاء بعضهما، ولكن أن يتم تزويج رجل فاسد جدا من امرأة، وهو على حاله، فذلك أمر خاطئ؛ إذ يجب على الأقل أن يكون لدى هذا الرجل دافع ذاتي نحو الزواج وتبديل المسار. نظرة فاشلة ويقول سعد الأسمري: “إن المشكلة تتعلق في الأصل بالنظرة العامة إلى المرأة؛ فبعض المجتمعات تنظر إليها بوصفها (مكملة) للرجل؛ وبالتالي لا تجد تلك المجتمعات غضاضة في تزويج فتاة صالحة في مقتبل عمرها لمدمن في الأربعينيات فاشل في حياته!”؛ لأنهم يعتقدون أن هذا هو الدور الأسمى للمرأة، أي أن تكون (صانعة رجال)، وهذا (بحسب الأسمري) مصطلح رنان، يعني في الحقيقة أن تكون المرأة “راضخة للرجل، تنتظر ما يتفضل عليها به من حُسن معاملة”.