لم يعد الكرم شيخا وقورا كما عهدناه.. تلك الكلمات سمعتها من أحد الفضلاء فنبشت في داخلي كمّا هائلا من الأحاسيس المبعثرة.. التي حاولت أن أكبح جماحها فأبت ذلك الكبح؛ فعبّرت ما تحويه من ألم. نعم. تحولّت صورة الكرم من وقار إلى خيلاء مزعوم لدى البعض في المناسبات الاجتماعية فتغيّرت صورة الأصالة إلى تبهرج مزركش لا ينمّ عن التقاليد والعادات والأصول. عفوا يا حاتم الطائي.. عفوا يا كرماء العرب الأحياء منهم والأموات، مباهاة الكرم غلبت عطاءه فلم يعدّ يُعمل ذلك الخُلق الرفيع لدى البعض من أجل الله وإرضاء له، بل من أجل الناس ولكسب غاياتهم وطرائقهم. فهناك من يُكرِم ويباهي في كرمه من دون حاجة وحيلة، وهناك من يُكرِم من أجل مقابل وهناك من يُكرِم من دون تريث وإسراف، والصورة الأخيرة هي الأوضح والأنقى وما عداها من الصورة زائلة وزائفة. ولعل المناسبات الاجتماعية بها الكثير من التداعيات الحيّة التي تنقل إلينا واقعا أليما يُجسّده البعض في قالب الكرم وهو ليس بقالبه، بل إسراف وغلو ومباهاة. فلماذا لا يكون لدينا تهذيب اجتماعي لرفعة هذا الخُلق القويم وليس لإنقاص حقوقه ومراتبه؟! فالتبذير ينهك كاهل الكرم ويرديه ميتا ويجعله مُتردّيةَ لا تُقبل ولا تؤكل. فدعونا نفتح أذرعتنا لمعانقة الكرم في مناسباتنا وتحوير تلك الصورة الرمادية التي غلبت عليه.. وإبدالها بواقعه الأصيل الذي عرفنا عنه. فليت أصحاب المغالاة والمباهاة يسمعون ويرتدعون عن قتل الكرم من دون رحمة.. فالكرم ليس كما يدعون، بل هو أصالة نفس لا تقبل الضيم والقهر.