بينما يراقب المستهلك تلك التكهنات التي سرت عن احتمال حدوث انخفاض في أسعار المواد الاستهلاكية قبيل رمضان، حددت نسبة في بعض تلك التكهنات ما بين 10 و30 في المئة، فإن تلك التكهنات لا تبدو قابلة للتصديق، ولا يمكن رؤيتها كحقيقة في الأسواق. ويعود هذا إلى أسباب، من أهمها منافاة هذه التوقعات لكثير من الحقائق الاقتصادية المحلية؛ ومنها أنه حتى الانخفاضات المعقولة والمنطقية هي محل شك وتناقض مع الواقع الذي نجده في الأسواق، وهو واقع ملخصه أن هناك ارتفاعا مطردا في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، يزداد كلما اقتربنا من دخول رمضان الكريم. حقيقة الأسواق تشير حقائق السوق وواقع أسعار المواد الاستهلاكية إلى أن تلك الأسعار تسير في اتجاه مخالف ومناف تماما لما سبق من فرضيات وتكنهات عن الانخفاض؛ والحقيقة التي تمثل “الفيصل في الأمر، هي “ما يدفعه المستهلك”.. أي أن الأسعار بشكل عام آخذة في الارتفاع المطرد، كلما اقترب رمضان المبارك.. ففي رمضان يزداد الطلب على المواد الغذائية، ويزداد المعروض منها أيضا.. بغض النظر عن انخفاض بعض السلع مقارنة بما كانت عليه العام الماضي.. أو بالانخفاض الطفيف لبعضها. تصريحات (التجارة) ولا شك أن تلك الحقائق تطرح تساؤلات عن مدى انسجام ارتفاع الأسعار مع ما يصرح به مسؤولو وزارة التجارة، عن جهود بُذلت لتوفير السلع بأسعار تقل عن الأسعار السائدة في الفترة المقابلة من العام الماضي.. وأمام ما وصفه مسؤولوها من شعورهم بالارتياح نتيجة لهبوط أسعار المواد الغذائية، الذي قالوا إنه “ظهر بشكل ملحوظ خلال العام الجاري”.. وما يؤكدونه من أن السعودية ما زالت أقل من مثيلاتها من الدول المجاورة في أسعار المواد الغذائية. تجار التجزئة ما يبدو حقيقة من خلاصة تحليل مجريات السوق، أن الأسعار وارتفاعها خاضعان إلى حدّ بعيد لرغبة وتحكم “تجار التجزئة” أنفسهم، ومقدرتهم على تحديد هامش ربحهم.. تلك الحقيقة أكدتها وزارة التجارة نفسها، حين ذكرت أن دراسة لأسعار السلع الأساسية في السعودية قام بها فريق مختص، كشفت عن أن ارتفاع الأسعار يعود إلى رغبة “تجار تجزئة المواد الغذائية” في زيادة هامش ربحهم من 3 إلى 9 في المئة.. وأوضحت الدراسة أن ذلك بحجة تعويض بعض الخسائر “أو تغطية التكاليف”. رد فعل وما سبق من تصريحات عن “توفير المواد الغذائية”، وعن “الانخفاض” وعن رغبة التجار في “زيادة الربح”، ثم ما سيأتي عن جهود وزارة التجارة ل“كبح جماح الأسعار”، كلها تشير إلى أن وزارة التجارة في موقف “ردّ الفعل” لما يجري تلقائيا في السوق أو ما يتم بتحريك وإرادة التجار.. أي أنها ليست في موقف المقرر لحقائق ما يجري وليست المحرك والمتحكم والمتابع والمراقب. ويأتي ضمن “رد الفعل” على “زيادة التجار للأسعار” عمل وزارة التجارة على تكثيف حملاتها الرقابية والتفتيشية على الأسواق لكبح جماح الأسعار قبل الشهر الفضيل.. فقد توعدت الوزارة المحال التي قد تقدم على رفع أسعار السلع الغذائية بالعقوبات.. ووجهت فروعها مع اقتراب رمضان إلى أن تكون جولات مراقبيها يومية للأسواق، من خلال آلية عمل تضمن تمشيط كامل للمحال التجارية؛ للتأكد من إعلان الأسعار، والبيع حسب السعر المعلن. المستهلك والقرار وعلى ما يبدو فإن “المستهلك” لم تعد تعنيه “التنبؤات” أو “التوقعات” أو “التصريحات” التي تُطلق بشأن الأسعار وانخفاضها أو حتى “التنبيهات” و”التهديدات”التي تطلقها “التجارة”.. أمام حقيقة الأسعار في واقع السوق، وفي محاله التجارية، وأمام الحقيقة المتصلة بها وهي “ما سيدفعه المستهلك”، بوصفها الحقيقة الأكثر وضوحا وثباتا.. لذا نجد أن المستهلكين إيمانا بحقيقة أن “الأسعار آخذة في الارتفاع” تحركوا لتأمين مستلزمات رمضان مبكرا “من بدايات شعبان”؛ تفاديا لارتفاعات متوقعة للسلع التموينية.. فهم أخذوا بتلميحات وتوقعات من يرون أنهم المتحكم الفعلي في السوق؛ وهم مسؤولو شركات الأغذية وتجار التجزئة. حماية من الزيادة في ضوء تلك الحقائق يبدو أن المستهلك لم يعد يؤمّل في ذلك الانخفاض “الموعود”، بل تحوّل عنه وأصبح مطلبه، وهو على مشارف شهر ينوء كاهل أغلب الأسر بمصروفاته ومتطلباته المختلفة، أن تتم حمايته من التلاعب بالأسعار وزيادتها، ومن تحكم التاجر الساعي إلى زيادة أرباحه على حسابه، في أسعار مواد لا غنى للمستهلك عنها، وأن يكون هناك مزيد من الرقابة على الأسواق؛ تفاديا للمزيد من مطامح ومطامع بعض التجار.