مما لا شك فيه أن طقس الكتابة، دائما ما يرتبط بأداة، والأداة هنا تلازم “الشاعر” وتبث مساحة كبيرة من حميمية التعامل. القلم هنا: وسيلة..وأداة، والشاعر حيث يتعامل مع القلم فإن أمرا مهما من “محبة” يقوده لشكل “كتابي” يحدده الزمن، والممارسة. قلم جميعنا يتذكر شكل القصائد الكلاسيكية وبدايات مطالعها: “سر يا قلم”، “هات القلم”، في إشارة واضحة أن إنجاز المشروع الشعري لن يتم إلا بهذا “القلم” وبالتالي أصبح جزءا مهما في تكوين القصيدة، وطقوس كتابتها، يقول أحد الشعراء ان القلم: سحر يجذب الفكرة نحو الورق، كما أن الكثير من الشعراء كتبوا عن ملامح “القلم” التي تتناسب مع حالة الكتابة، فالنواب مثلا يشترط أن يكون القلم: (سائلا/ أسود/ ورأسه دقيق) كي تخرج الجمل صغيرة مما يساعد على التركيز، كما أن حافظ إبراهيم كان يفضل الكتابة بالقلم “الأخضر”، وجميع تلك الشروط ما هي إلا تنظيم لمرحلة الدخول في “الشعر” كمشروع فني. كيبورد التقنية، سهلت للأصابع التعامل مع “غير القلم” فكان البديل هو “الكيبورد”، لوحة المفاتيح العصرية ذات الحروف والارقام، ومع الوقت امتدت استخدامات الكيبورد لتنتقل من مجرد كتابة ما يجب أن ينسخ كمطبوع إلا دائرة “الحالات الإبداعية”، وبات الكثير من الشعراء يكتبون نصوصهم على الكيبورد، بإهمال شديد للقلم، بحجة أن ما يكتب على الورق “بالقلم” حتما يتحول لمنسوخ/ مطبوع. ولكن ليس ثمة ما يؤكد أن حالة من “خفوت” قد تصيب النتاج الإبداعي “الشعري” متى ما انتقلت وسيلة وأداة “تفريغ الأفكار” من القلم للكيبورد فالبعض يرى أن العقل والعاطفة محركا “الشعر” لا يمكن أن يتأثرا بملمح الأداة أو الوسيلة، والطرف الآخر يؤكد العكس حيث إن الارتباط بالأداة والوسيلة مهم للغاية إذ يمنح “الشاعر” مساحة تسهل عملية التدفق الإبداعي. وفي هذا الشأن يقول الشاعر هادي آل زليق “الفرق كبير، حيث إن الورقة تشعرك بإحساس مختلف تماما، من خلال انسياب الأفكار ويكون الشاعر متمكنا من حالة الكتابة، وهناك أمر آخر، لا يمكن للكيبورد أن توفره لك من خلال منظر الأبيات أثناء التعديل والشطب، إذ يشعرك هذا الأمر بالمجهود الذي بذلته الى ان خرجت هذه القصيدة بينما الكيبورد بمجرد ان تمسح ما تود تعديله فإنه لا اثر لما بذلته من جهد، كذلك وجود امر آخر يتمثل في المخزون لدى الشاعر الذي يجمع قصائده في اوراق وتصبح كومة ورق شعر ولكن اجهزة الكمبيوتر تجعل القصائد تصبح كومة إلكترونية في ملفات مبعثرة فقط” نهاية وبين القلم والكيبورد أين يكمن “الشعر” كحالة وطقس، إذ تصعب الإجابة عن هذا السؤال دون استجواب مباشر للقلم والكيبورد: أيهما أكثر جدية من الآخر في التعامل مع “الشعر” “والإبداع الفني”؟