مثير للإعجاب حقا موقف الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني من عدد من المهندسين ورجال الأعمال، عندما اعتزموا تنفيذ مشروع سكني حديث وسط لندن، لكنه لا يتناغم مع الطراز المعماري العريق والمميز لوسط المدينة؛ إذ إنه سيكون مجاورا للمشفى الملكي العريق والذي يعود بناؤه إلى القرن ال17، ثم إن الأمر أيضا وصل إلى احتجاج سكان تشلسي وهي منطقة المشروع على إنشاء تلك البنايات المرتفعة والتي ستحجب الرؤية على حد دعوى السكان زيادة على أنها بنايات أسمنت وزجاج، مشكّلة نشازا في طابع المنطقة الكلاسيكي، الأمر الذي اضطر الشركة المنفذة إلى إجراء تعديلات على تصاميم المشروع واعتماد إنشاء حديقة عامة بالمنطقة استرضاء للسكان. المهندسون ورجال الأعمال لم يرق لهم بالطبع تدخل الأمير تشارلز وانتقاده الدائم لطرز البناء الحديثة التي لا تضع في حساباتها النواحي الاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك لأن لهم أجندتهم التجارية، بينما موقف الأمير تشارلز ينم عن احترامه لثقافة وتاريخ وتراث بلده، وهو بالمناسبة شخصية على قدر كبير من الثقافة وقطع شوطا كبيرا في دراسة اللغة العربية، إضافة إلى أنه شعلة في النشاط الاجتماعي ويملك مزرعة كبيرة توزع منتوجاتها باختلاف أصنافها على الجمعيات الخيرية. هذا الموقف من الطراز العمراني الجدير بالاحترام حقا، يجعل المرء يستحضر الهوية العمرانية للمدن السعودية، وافتقارها إلى التصاميم التي تراعي النواحي الثقافية والاجتماعية والبيئية، ولا نستطيع بالطبع أن نعمم، ولكن هذا هو الغالب، وهنا لا بد لي من وقفة وللحق أقول إن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تشهد لها إنجازاتها وهي في غنى عن المديح، وتعمل بأسلوب علمي وتخطيط دقيق، إضافة إلى أنها تنشد إبداء الآراء والاقتراحات البناءة في مشاريعها، وسياستها في الأصل أنها تراعي النواحي الاجتماعية والثقافية في مشاريعها، إضافة إلى أنها تعنى بإحياء وترميم المعالم التاريخية. لذلك أرى أنها أجدر جهة يمكن أن تحدث تصحيحا لطراز وتصاميم البناء، ومراجعة نظام تخطيط الأحياء لتصبح واحات اجتماعية هادئة لها مخارج ومداخل محددة، وهذا له انعكاس اجتماعي في مختلف المناطق، في مكةالمكرمة، المدينةالمنورة، حائل، المنطقة الشرقية، وجميع المدن السعودية. فلا يعقل أن نستورد قوالب وتصاميم لا تراعي الهوية العمرانية، والنواحي الاجتماعية، والأمنية والثقافية من بلاد تغار على تراثها وهويتها العمرانية وفي قمة المدنية.