الدكتور سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة بالرياض سابقا فتح قلبه لشمس”، ليقدم إجابات مباشرة وصريحة، حول الفتوى وضوابطها، وأبرز المعالم التي يجب توافرها في المفتي، والحدود الطبيعية للاختلاف في الفتوى. وأكد في حواره ضرورة فتح الأبواب المغلقة من قبل العلماء واحتواء الشباب.. فإليكم ما دار في هذا الحوار. * ما الضوابط التي يجب أن تحتوي عليها الفتوى؟ الفتوى أمرها عظيم وخطير في آن واحد، وهي مهمة في أي عصر من العصور، والمفتي مُبَلِّغ عن رب العالمين، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن مع كل هذا يجب أن تكون الفتوى موافقة لكتاب الله وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف، وغيرها من الضوابط التي لا بد أن تتوافر في الفتوى. * إذاً أنت تطلق الفتوى ولا تخصصها لفئة دون أخرى؟ هذا صحيح؛ فعندما نجعل الفتوى محصورة في جهة معينة، أو فئة معينة فإن هذا من التحجير على الناس، وليس التيسير عليهم، وأعتبر كل من لديه علم وفهم ومعرفة وعقل ودراية بالآيات والأحاديث هو مؤهل لأن يتصدر للفتوى بين الناس، وهناك فرق بين القضايا الشخصية والنوازل التي أرى أن تكون محصورة بالمجامع الفقهية العلمية، وتحل من قبلهم، أما الفتوى بشكل عام، فلا يمكن اختصارها في أشخاص أو حتى جهات معينة؛ فالحكم الشرعي ليس حكرا على أحد. * ما رأيك في مطالبات البعض في منع الفتوى أو اقتصارها على أشخاص معينين؟ هذه مطالبات ليست منطقية قط؛ فكيف يمكن لأي كان أن يتحكم في الفتوى أو السيطرة على الفضاء أو الإعلام المقروء أيضا؛ فالسيطرة على الفتوى أو تنظيمها أرى أنها أبعد من (الكبريت الأحمر)، أو العنقاء عند العرب، وقد يمكن ذلك على نطاق ضيق، كأن تمنعها بعض الدول على قنواتها المحلية، لكن السيطرة عليها تعد من المستحيلات، ولكننا نستطيع أن نتغلب على هذه المشكلة بأن نكثف ظهور العلماء الصادقين الذين يوثق في علمهم وأمانتهم. * هل هناك صفات معينة ينبغي توافرها في المفتي؟ نعم، البعض يعتبر ضرورة المؤهل الأكاديمي، كأن يكون خريجا لكلية الشريعة، أو متخصصا شرعيا أكاديميا، مع أن هذا الأمر ليس بصحيح إطلاقا؛ فطالب الشريعة قد يكون لديه التأهيل اللازم لكي يكون مفتيا، ولكن نحن لا نغفل الطبيب والمهندس والمعلم الذي تعلم العلم وفهمه وأصبح مؤهلا للفتوى، وهو مع ذلك طبيب أو مهندس أو عسكري، وهذه ملاحظة مهمة جدا ينبغي الالتفات إليها؛ لأننا نسمع عن مطالبات بحصرها على طلاب الشريعة فقط، وأنا ضد هذه الفكرة إطلاقا. * لكن يتضح من حديثك كأنك تفتح الباب على مصراعيه للفتوى وأن يدخل كل من أراد! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “بلغوا عني ولو آية”، وما المانع أن يكون الناس فاهمين للأمور الشرعية، وأن يتعلموا العلم جيدا؛ فكل من كان لديه فهم واستحضار للدليل الصحيح، هو مؤهل، لكي يبلغ هذا العلم، وإن تبين له خطأ ما أفتى به، فعليه أن يرجع عن فتواه. * الكثير من المتخصصين يبحثون عن توحيد الفتوى.. ما رأيك؟ الحقيقة أن الاختلاف إن كان عن دليل فهو ليس بمذموم؛ لأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا، ولكن لم يتنازعوا، وهنا الفرق؛ فالتنازع هو المذموم، والله سبحانه وتعالى نهانا عن التنازع (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، ولكن لا يقبل أبدا الاختلاف في الثوابت كأمور العقيدة وغيرها، أما الاختلاف في الفروع فهو أمر ليس بجديد، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: “ما يسرني أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ فلو لم يختلفوا لكان في الأمة عسر؛ لذلك من يأخذ بقول صحابي والآخر يأخذ برأي صحابي آخر، نقول كلهم على حق، وهذا من سعة هذا الدين، وينبغي التفريق بين أن يكون الاختلاف عن دين أو عن هوى. * ما الطريقة الصحيحة للتعامل مع الآراء والفتاوى الشاذة كحل السحر بالسحر مثلا؟ بكل سهولة نرد عليها ونبين بطلانها، ويجب ألا نمنع الفتوى بشكل عام بسبب أن هناك من يفتي بالشواذ؛ فالشواذ من الآراء والفتاوى تعد قليلة، ونحن يجب أن نلتفت إلى الصحيح، ونترك هذا الشاذ ولا نلتفت إليه، وفتوى حل السحر بالسحر أمر شاذ، وإن كان هناك من قال به قديما وحديثا إلا أنه لا يزال شاذا، ولم يكن هناك إجماع من علماء الأمة عليه، والباطل يرد والشاذ نوع من الباطل، لذلك يرد.