في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد العاطلين عن العمل، تتوسع الهوة بين فئتين من العاطلين، إحداهما تكتفي بالغضب من الواقع وطرح المقترحات الحالمة والتنظير في قضايا فرص العمل، أما الفئة الأخرى (وهم أقلية) فتبادر إلى البحث عن مخرج من أوضاعها القائمة، وتدير أفكارها نحو السعي إلى العمل أيا كان المجال أو المردود، أو النظرة الاجتماعية التي لا تمنح لأحد راتبا. أحد شبان مدينة المركوز في عرعر، كان عاملا وفُصل من عمله، فأصبح من العاطلين، لكنه قرر أن يكون من المنتمين للفئة الثانية، أي من الساعين للعمل أيا كان، فأدار عدة أفكار في رأسه، وأجرى حساباته، ووجد أن العمل في أصلاح إطارات السيارات وتغيير زيوت السيارات وصيانتها، أمر مربح من جانبه المادي، وقادر على توفير حياة كريمة اعتيادية رغم النظرة الاجتماعية التي تزدري العمل بهذا المجال ولا تزدري البطالة.. فقرر نوري الشمري، وهو الشاب العاطل، وضع أقاويل المجتمع خلف ظهره، وبدأ تجهيز ورشة صغيرة يمارس من خلالها عمله المهني الجديد. لا يستعين نوري بعمال في ورشته التي أصبحت مشهورة، بل يعمل وحيدا فيغيّر الزيوت، ويصلح الإطارات، وكذلك لديه مبادئ كافية عن الميكانيكا واللحام ويملك خبرة جيدة في كهرباء المحركات وأعطالها. يقول نوري: “وضعي ممتاز جدا الآن.. أنا سعيد بعملي وأتوجه إلى ورشتي كل صباح مع بقية الموظفين العاملين في المجالات المختلفة، لكن الفرق بيني وبينهم أنني بلا رئيس، وعملي حر، ودخلي لا يشاركني فيه أحد، وأضع بنفسي خططي التجارية والمستقبلية”. وعن رؤيته لمستقبل ورشته قال نوري: “أنا أسعى لتحديثها وتطويرها دائما. وهي الآن صغيرة وتفتقر لبعض الأساسيات، لكنني خصصت نسبة ثابتة من دخل الورشة من أجل تطويرها واستكمال أدواتها”، وأضاف الشمري: “كنت أتمنى أن أجد المساعدة من بنك التسليف، لكنني حتى الآن لم أصل إلى شيء، ولو تمكنت من الحصول على قرض فإنني سأنقل ورشتي إلى مكان أوسع وسأشتري بعض الآلات المهمة التي لا يمكنني شراؤها الآن حيث تصل بعض أسعارها إلى عشرات الألوف”. وأشار إلى أنه تقدم كذلك بطلب إلى البلدية لتؤجره قطعة أرض صغيرة في موقع حيوي كي يبدأ نشاطه من خلالها أسوة بنظام الورش الصناعية في بقية المدن، حيث تمنح البلدية المستثمرين قطعا بأسعار رمزية، ولكنها لم تجاوبه حتى اليوم، وعن وضع المجتمع معه الآن، قال الشمري إن أهالي بلدة المركوز هم أهله وبالتالي لم يجد منهم سوى الدعم والاحترام الكبير، لكنه أشار إلى حساسية بعض المسافرين الذين يمرون بورشته حالما يعرفون أنه مواطن، وهي حساسية “لا مبرر لها” بحسب الشمري، كون المواطن في الغالب، “لا يخدع لأنه مستقر ويمكن أن يعود إليه المخدوع في أي وقت، ولا يغش لأنه لو أراد الغش فثمة مسالك للغش وأكثر تحقيقا للمال من الغش في ورشة سيارات”.