مع أننا نعيش ضمن قرية كونية نتشارك مع جيراننا طبائعهم الإنسانية الفطرية إلا أن البعض منّا يصر على قذفنا لعصور ما قبل الإزفلت بعادات بالية تستحق التفكر لا لعظمتها وإنما لافتقادها لأبسط درجات الواقعية والتمدن. قبل أيام جمعتني الصدف الجميلة بصديقي الذي اختطفته الحياة بعيدا، وأثناء ثرثراتنا أخبرني أنه على وشك الزواج، وقبل أن أبارك له أردف: لكني غارق بمشكلة.. قرأت بعينيه تلك الجملة الشهيرة التي يستخدمها الكادحون عادة قبيل نزول الراتب وهي: معك سلف..! وضعت يدي على محفظتي وتمتمت: سترك يا رب..! تابع صديقي: لا تقلق.. مشكلتي ليست مادية.. كما قلت لك؛ فزواجي بات وشيكا، ولك أن تعرف أني حتى هذه اللحظات لم أرَ تلك المرأة المجهولة التي تدعى زوجتي، ولا أعرف عنها إلا اسمها.. بل إني وبسبب تلك العقلية المسكونة بالعيب أصبحت رهينة للتخمينات.. فمرة أتخيلها فائقة الجمال ممشوقة القوام حلوة المبسم قبل أن تقفز بمخيلتي فجأة صورة تلك العجوز صاحبة المكنسة الطائرة وهي تضحك؛ أصبحت الوساوس تعشش برأسي.. حاولت جاهدا أن أتخطى إشكالية المظهر للجوهر تحت فلسفة: أهم شيء الأخلاق، مفوِّضا أمري لله ومعتمدا على توصيات الأهل التي أخشى أن تكون كتوصيات سوق أسهمنا المبارك..! لم يكن صاحبي حالة فردية تستدعي الدهشة، وإنما كان يمثل شريحة شاسعة ممن أضحت مفردة (العيب) مسَلَّما بها لديهم، يحتكم لإرث متضخم من العادات الاجتماعية الخاطئة التي ينبغي أن يطويها المنطق.. فالنظرة الشرعية أتت كي تنزع عنصر المفاجأة وتبطل لعبة الترقب (اكشط واربح) التي يمارسها بعض الأزواج رغما عنهم ورضوخا لثقافة (هذا ما وجدنا عليه آباءنا).