انتشرت مفردات ولغات العالم المختلفة على ألسنة بائعي المحال والبساطين الذين يعملون في المنطقة المركزية بالمدينةالمنورة؛ إذ تتعالى النداءات ما بين المصطلحات المصرية والمفردات التركية والأرقام الإيرانية؛ ما ألغى لغة الإشارات باليد أو بالرأس التي اختفت بعد تعلم البائعين بعض مفردات لغات أبرز وأنشط المجموعات الزائرة للمدينة، حيث يلم بعض البائعين بمفردات خمس لغات على الأقل. وإتقان اللغة والإلمام بها من أهم ركائز المهنة، بل سر المهنة ونجاح بيع السلع المختلفة، سواء لدى الباعة البساطين أو الباعة في المحال التجارية المنتشرة بالمنطقة المركزية ما بين محال بيع الخردوات والهدايا ومحال بيع الملابس والذهب ومحال الصرافة؛ إذ يحتم عليهم مجال عملهم وخصوصية المدينة النبوية التي يتوافد عليها الزوار من جميع أنحاء العالم، الذين تختلف ألسنتهم باختلاف أعراقهم ومشاربهم، والذين يحرصون على اقتناء ذكرى من مدينة الرسول، البحث عن مصطلحات وكلمات يستطيعون التعامل بها مع هؤلاء الزبائن. يشير محمد الغامدي (أحد البساطين) إلى أن اكتساب هذه اللغات جاء من خلال الممارسة والاحتكاك المتواصل مع الزبائن القادمين من خارج السعودية؛ إذ من السهل جذب الزبائن ولفت أنظار المعتمرين والزوار من خلال النداء ببعض المصطلحات مثل (إن هذه البضاعة رخيصة) أو (أيها الحاج أقبل على السلعة الرخيصة)، ويكون كل ذلك بلغة المعتمر؛ ما يسهل التخاطب معه وجذبه في الوقت نفسه، وبعد ذلك التفاوض معه بلغته نفسه؛ ما يسهل التعامل ويزيد في المبيعات. ويضيف أن الطريقة في حد ذاتها كافية ليتعرف المعتمر على سعر السلعة التي يرغب في شرائها ويشعر بنوع من الحنين والراحة عند سماع نداء البائع الذي ينادي ويعلن السلعة بلغة الزائر. وتحدث عبدالله الجهني (بائع في محل تجاري) قائلا: “منذ خمس سنوات وأنا أعمل في محل الذهب والمجوهرات، وعملي يتطلب الاحتكاك بمختلف الحجاج والزوار من الجنسيات المختلفة؛ ما جعلني أتقن بعض اللغات مثل الأردية وبعض المفردات لبعض الدول الإفريقية الناطقة بغير العربية وأرقام ومفردات اللغة التركية؛ ما يسهل التواصل مع الحاج”. وقال عبدالحميد غلام (يعمل في محل بيع الأقمشة): “إن من شروط العمل في محال المنطقة المركزية الإلمام ببعض اللغات؛ حيث يستطيع جذب أو إقناع أو التخاطب مع المعتمر أو الزائر؛ لأن أكثر عملاء المنطقة المركزية من المعتمرين في فترة العمرة والحجاج خلال موسم الحج، ويكونون من مختلف قارات العالم”. ويشير محمد جيزاوي (بائع في محل تجاري) إلى أنه استطاع في غضون خمس سنوات أن يجيد أكثر من لهجة محادثة من خلال احتكاكه المباشر بزوار المسجد النبوي الشريف؛ إذ أصبح يتحدث بثلاث لغات أجنبية لم يكن يعرف عنها شيئا قبل أن يعمل في أحد المحال المجاورة للحرم. وأضاف أن كثرة مرتادي السوق وتعدد لهجاتهم يسهمان في تعلم اللغات بسرعة، خاصة إذا كان لدى البائع هاجس في ضرورة التعلم والاستفادة وتنمية مهاراته في التحاور مع الزبائن ممن لا يجيدون العربية.