لم تعد العباءة النسائية والثياب الرجالية كما كانت في الماضي.. بل أصبحت ميدانا مشاعا وكلأ مستباحا لخبراء الموضة ومصمميها.. يطلقون فيها لأناملهم العنان، لتبدع وتصمم وتطرِّز.. وأحيانا لتعبث وتخصِّر!.. فتخرجها عن غايتها الأساسية ومضمونها الأصيل في كثير من الأحيان.. بتجريب فنون وتقليعات طريفة وغريبة وعجيبة.. جعلت عباءة المرأة السعودية بحاجة إلى عباءة أخرى تستر ما انكشف.. وجعلت ثوب الرجل بحاجة إلى (بشت) فضفاض يعيد إلى الثوب معالم الرجولة المفقودة! “شمس” نزلت إلى الميدان.. تفحص وتستقصي وتستطلع..آراء النساء والرجال، لعلها تكشف الدوافع المبهمة والأسباب غير المفهومة لهذه الفوبيا التي أصابت الألبسة الرجالية والنسائية.. على حساب القيم وعمار البيوت والجيوب! فساتين سهرة في البداية تشير بدور عبدالعزيز إلى أن ما تراه من عباءات الآن يندرج تحت عنوان (فساتين السهرة). وتقول: “العباءة الشرعية ليس لها تحديد، سواء كانت على الرأس أو على الكتف، إنما الأهم أن تكون غير مطرزة ولا تحدد جسم المرأة، أي أن تكون واسعة وساترة لجميع البدن؛ حتى لا تكون المرأة عرضة للمضايقات”. وتضيف: “أصبحت العباءة اليوم زيا لافتا لنظر الرجال أو كما يقال (للكشخة)، وتناسينا أن العباءة هي لستر المرأة”. وتقول بدور إن العباءة صارت أقرب إلى الفستان؛ لأنها الآن مكتظة بالنقوش والزخارف. وتؤكد أن ذلك بعيد كل البُعد عن العباءة الأساسية. وترى أنها محاولة لتغريب المرأة، وتستنكر إطلاق اسم (عباءة فرنسية) على بعض العباءات، وتقول: “هل يعني ذلك أن الفرنسيات يلبسن عباءات مثلا؟!”. نعم للتطور.. والستر! وترى دانية محمد أن العباءة غدت رمزا لنساء الخليج، وأن العمل على إبقائها على ما كانت عليه قبل عقود يعطي انطباعا سيئا لدى الآخرين، خاصة الغرب. وتقول: “مراحل التطور التي طرأت على العباءة أمر صحي جدا، ولكن شريطة ألا تخرج عن إطارها الصحيح، أي دون مبالغة سواء في الشكل أو التصميم”. وتوضح: “العباءة للستر أولا وأخيرا، وليست للفت الأنظار”. وتشير دانية إلى أن جمال العباءة في ترتيبها؛ فلا تكون واسعة جدا، ولا ضيقة، بل معتدلة “حتى بشأن الزخارف التي توضع عليها”. وتستشهد في ذلك باهتمام الأجانب بالعباءات، وحرصهم على اقتنائها، كنوع من التحف الفنية الرائعة في نظرهم. وتقول: “أصبحت النساء العربيات يتفنن في صناعة العباءات اللاتي يرتدينها على عكس السابق؛ فقد كانت في الماضي عبارة عن قطعة قماش سوداء، بلا أي اهتمام بتصميمها، إلا أن الأمر اليوم يصل بها إلى حد المباهاة والمفاخرة!”. وتتابع دانية: “أما عن الناس الذين خصَّروها أو فتحوها (أي العباءة) فلهم غايات أخرى، وهم شريحة صغيرة من الناس”. عباءة بألف وحول تصاميم العباءات وعروضها تؤكد نازك خالد أن أغلب عروض الأزياء الخاصة بالعباءات النسائية هي لمصممات سعوديات وخليجيات. وتضيف أنها عباءات من أفخر أنواع الأقمشة، وبتصاميم رائعة تخطف الأنظار. وترى أن هذا دليل على أن العباءة رمز للمرأة الخليجية! وترجع نازك ما يحدث في العباءة من تغييرات إلى التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع، وترى أنه أمر طبيعي للغاية “بل يحرك المياه الراكدة؛ حتى لا نظل (محلك راوح)”. وتقول نازك: “العباءات الجديدة تتميز بالتنوع وتناسب الأذواق كلها، ولكن أسعارها مبالغ فيها”. وتضيف: “العباءة التي تناسبني وتعجبني، سعرها يتراوح بين 700 وألف ريال!”. ديدن الحياة..؟ وتتفق دينا العمودي مع الأخريات في أن التغير ديدن الحياة، وترى أنه لا بد منه. وتشير إلى أن التقليعات التي ظهرت على العباءة تميل إلى طرافة الأسماء؛ وذلك من أجل تحقيق الرواج لها. وتؤكد أن الأمر تسويقي بحت. وتذكر دينا أن العباءات تخضع لتصنيفات عدة، منها العباءة الخاصة بالمناسبات والاحتفالات، وتلك الخاصة بالفتيات. وتقول: “العباءة الخاصة بالفتيات تميل إلى الغرابة في الشكل وفي نوعية القماش، أما العباءات الخاصة بالأماكن العامة فتختلف؛ حيث تكون رسمية أكثر، وغير مبالغ فيها من ناحية الزخرفة والألوان، وهناك عباءة استقبال تُلبس في مناسبة وكأنها فستان”. على الموضة وفي أحد محال بيع العباءات النسائية، فسّر لنا البائع سامي اليافعي حرص الفتيات خاصة على اقتناء الجديد من العباءات ومواكبة أحدث خطوط الموضة، بأنه يأتي بسبب انتشار صفة المحاكاة والتقليد في أوساطهن، إلى جانب تحول الأمر إلى هوس لديهن. سألناه: من أين تأتي تصاميم العباءات؟ يجيب سامي: “تصاميم العباءات تأتي من البحرين غالبا”. ويضيف: “تختلف العباءة عن الأخرى في السعر، لاختلاف نوعية القماش المفصَّلة منه، والإضافات التي أُدخلت عليها من كريستالات وتطريز وخلافه”. تصاميم سرية ويشير سامي إلى أن تصاميم العباءات الجديدة تعيش في عالم من السرية، حفاظا على خصوصية النساء الراغبات في التميز، حتى لا ينتشر التصميم بشكل كبير. ويلفت إلى لجوء فتيات للاستعانة بمصممين من الخارج لتصميم عباءاتهن. ويقول: “لم تعد العباءة كما كانت عليه في السابق، بل غدت الأمور مختلفة من جميع النواحي، وأصبحت سوقا رائجة وقائمة بذاتها”. ويؤكد أنها عالم يتجدد كل أربعة أشهر؛ إذ تأتي عباءة جديدة بتصميم محدث وباسم خاص بها. ثوب يكسر المألوف إذا كان عالم العباءة النسائية قد أصابته (فوبيا) التحديث والتطريز والتخصير.. فماذا جرى للثوب الرجالي رمز الخشونة والحشمة والوقار؟!.. دعونا نستطلع آراء الشباب للتعرف على وجهة نظرهم في الموضوع. يقول يوسف آل أحمد (18 سنة): “أنا دائما أحبذ التجديد في الثوب والاهتمام بذلك، والخروج نوعا ما عن المألوف، بالبحث عن آخر التصاميم؛ لأنني أشعر بأنها تواكب التطور الحاصل في هذا الزمان”. ويضيف: “السلبية الوحيدة في الأثواب غير التقليدية (المطرزة) أن لباسها لا يناسب كل الأوقات، كمناسبات العزاء مثلا.. بينما يمكن ذلك في الأيام العادية ومناسبات الأفراح”. الجمال في الأصالة وعلى العكس من ذلك، يرى فيصل العبدالكريم (24 سنة) أن جمال الشيء في أصالته، ويقول: “أنا شخصيا لا أشجع التطريز أبدا؛ لأن فيه تغييرا لأصالة الثوب السعودي، الذي اعتدنا على أن يكون بألوان وتفاصيل معروفة (سادة) ودون أية إضافات”. ويضيف: “لكنّ متتبعي الموضة لم يبقوا شيئا على حاله”. ويوضح: “صحيح أنني أحد الشباب، ولا أدعي المثالية أو الوصاية، ولكنني مع التغييرات المعقولة والبسيطة، التي لا تخفي معالم الثوب التقليدي”. حرية شخصية ويتفق نايف البريك (28 سنة) مع فيصل العبدالكريم، في اشتراط أن يكون التغيير في الثوب بسيطا لا يلفت الانتباه، وأن يعطي صاحبه رونقا جميلا، ويقول: “مثلا التطريز إذا كان على أشياء بسيطة كالمخباة (الجيب) أو القلاب أو طرف الكم (اليد) أتوقع أن ذلك سيظهر بشكل رائع؛ فالتغيير مطلوب، والاعتياد على شكل معين ممل جدا، وفي النهاية هذه حرية شخصية”. ما زاد على حده..! لكن محمد التركي (27 سنة) يرى رأيا آخر؛ إذ يقول: “لا أحب هذه الموضات في الأثواب؛ لأنها تخفي كثيرا من مظاهرها الجمالية”. ويضيف: “على الرغم من مقولة (كل من الأكل ما يعجبك والبس من اللباس ما يعجب الناس) إلا أن كل شيء يزداد على حده ينقلب ضده”. تكلُّف ومباهاة ويذكر يحيى البراهيم أن العراقة والأصالة في الشيء تكسبانه سحرا فريدا مع الزمن، ويقول: “قد تكون اللمسات البسيطة تضفي جمالا من نوع معين، لكن يجب الانتباه إلى ما ستسلبه هذه اللمسات من جمال وعراقة الثوب”. ويضيف: “ثم إنني أرى بذلك تكلفا غير مبرر وصورة للتباهي لدى البعض”.