(لكل زمان دولة ورجال).. إلا العرابجة؛ فهم في كل زمان تجدهم بالطموح ذاته والعقلية نفسها.. يُلغون عقولهم ويعتمدون على عضلاتهم ولا يعيرون تفكيرهم بالا.. يتعلقون بنوع من (الغتر) تحمل ألوانا غريبة.. لهم مفرداتهم الخاصة التي سرعان ما تنتشر بينهم انتشار النار في الهشيم.. يعتقدون أن مغامراتهم من (شيم الرجال).. ويهملون دراستهم لأنها ل(الدوافير) فقط.. وهم يقصدون بذلك الوصف الطلاب المجتهدين. (العرابجة) لا يعتنون بنظافة ثيابهم أو حتى نظافتهم الشخصية.. لا يهذبون شعر رؤوسهم أو لحاهم؛ لأنهم يرون أن هذا من طباع (عيال النعمة).. لا يجلسون في البيوت لأنهم (رجال).. يفترشون الأرصفة والشوارع.. وكثيرا ما يشعلون المضاربات ويفتعلون المشاكل التي تنتهي بحضور الشرطة.. عندها يتم القبض عليهم ويودَعون التوقيف.. وقد تصل الامور الى ما هو أسوأ حيث يتورطون في قضايا سرقات ومخدرات وغيرهما، ولا غرابة في ذلك.. فأغلب (العرابجة) يصيرون مع مرور الزمن ضحية لتجار المخدرات مثل (حبوب الكبتاجون والحشيش).. ويتحولون الى مشروع للاستغلال من قبل مروجيها.. الأمر الذي ينتهي بهم الى غياهب السجون. ينظر (العرابجة) لأمور الحياة بسطحية تامة.. ولكن من يكتب له عمر جديد، فإنه يتحول الى شخص آخر، ولكن بعد فوات الأوان! "شمس" سعت لاستقصاء الظاهرة.. والوقوف على أبعاد وحدود نظرة المجتمع لهذه الفئة.. والبحث عن بدايات ظهور المصطلح واسباب ظهوره وانتشاره واختصاص هذه الفئة به دون غيرها.. اضافة الى موقف المجتمع منها وبخاصة الجهات المسؤولة عن حفظ الامن وحماية النظام الاجتماعي. الشعبية في البداية التقينا تركي الهاجري وسألناه عما يعنيه له مصطلح (العربجي) فقال: "عندما نذهب لمصطلح العربجي نجده بعيدا كل البعد عما نراه.. فهو في الأساس اسم اتخذ لمن (يجر عربته بحمار).. ولكن هذه الفئة التي نتحدث عنها أُطلق عليهم اسم آخر هو (الشعبية).. فتجدهم شعبيين في خياراتهم، من أغان وملبس ومأكل وتصرفات وطريقة كلام". ويضيف تركي: "لكن في هذه وتلك هم بالتأكيد على خطأ ابتداءً من إطالتهم شعر رؤوسهم، وانتهاءً بما يذكرونه من مصطلحات، وما ينتهجونه من سلوكيات.. لأنهم بذلك يصبحون منبوذين من المجتمع.. والسبب ما ينتج عن هذا من سوء أخلاقهم وتصرفاتهم". ويقول الهاجري: "بشكل عام النظرة الأولى تعطي الانطباع التام عن أي شخص.. لذا يجب أن يكون هندامه وثيابه نظيفين ومرتبين بشكل لائق؛ لكي تكون النظرة الأولى اليه إيجابية". ويضيف: "لو نظرنا إلى نهاية العرابجة فإنها تكون إما السجن أو ضياع المستقبل.. وفي احسن الاحوال ينتهي بهم المطاف الى وظيفة راتبها محدود؛ والسبب تحصيلهم العلمي الضعيف.. إذ إن الواحد منهم في يوم من الأيام كان يكره الدراسة لأنه ليس (دافورا).. بينما الذي ذاكر واجتهد نجده في وظيفة يستحقها بلاشك نظير اجتهاده". نصيحة بجمل ويوجه الهاجري نصيحة الى كل رب أسرة، يلاحظ على ابنه بدايات ظهور ملامح (العربجة أو الشعبية) بأن ينتبه لابنه. ويوضح: "90 في المئة من هذه الفئة مدخنون، وقد يتطور الأمر إلى ما هو اكبر من التدخين مثل تعاطي المخدرات.. وقد يبدأ الانحراف بالتفحيط وقيادة السيارات بسرعات عالية.. وقد نجد من بينهم لصوصا و(مشكلجية)..ويبدو هذا من خلال المضاربات التي تنتهي بحضور الشرطة والفبض عليهم والزج بهم الى السجن.. بل ان المشاجرات قد تتطور وينتج عنها حالات وفاة.. ولا اعتقد أن أي رب أسرة يرضى أن يكون ابنه أو شقيقه عربجيا". (هيه .. سلِّم)! يحكي محمد الغامدي أحد المواقف المحرجة التي تعرض لها بسبب (العرابجة) ويقول: "كانت ثلة من الشباب يتجمعون بالقرب من الحي الذي اسكن فيه في آخر الليل، ويتخذون من احد الأرصفة القريبة من سكني مركزا لتجمعهم، وكان أغلبهم من أبناء الحي.. وكنت كلما مررت بالقرب منهم متجها إلى منزلي يتحرشون بي، إذ يصرخ أحدهم: (هيه سلم). ويضيف الغامدي: "وعندما ألتفت أجدهم يتحدثون إلى بعضهم.. وهكذا تكررت العملية معي عدة مرات.. وفي إحدى المرات صرخ احدهم بي، وبالفعل سلمت، وبمجرد أن سلمت، ضج الحي كله بصراخهم، وكأنهم انتصروا عليّ". مسرحية ويقول محمد: "غضبت وتوقفت بالقرب منهم كي اعرف منهم أسباب هذا التصرف، فإذا بهم انقسموا الى أقسام: واحد منهم يبادلني الغضب، وقسم يعتذر إلي.. وآخرون يمسكون بالشخص الغاضب، في عملية أشبه ب (مسرحية) هم أبطالها"، ويضيف: "وقد نجحوا في أن يستدرجوني الى هذه المسرحية السخيفة، ففضلت الانسحاب، وقد انتابني الخجل من تصرفي؛ لكونهم مجرد (مراهقين).. بعدها فضلت إبلاغ الشرطة عنهم، بل إنني شكوت أبناء الحي لآبائهم أثناء خروجنا من المسجد، وقد تم إيقافهم عند حدهم.. أما الشرطة فقد استجابت على الفور.. وكانت الدوريات على مدار عدة أيام تمنعهم من التجمع في المكان، وخصوصا بعد سلسلة من المضاربات والتحرش بأفراد من العمالة الآسيوية". نعرفه من شماغه أما علي اليامي (مدرس بمدرسة حكومية) فيقول: "بالرغم من تطور الزمن وتعدد أساليب المرح وقضاء وقت الفراغ من خلال الانترنت أو ألعاب (البلاي ستيشن) أو غيرهما، إلا أن ذلك لم يشفع (للعرابجة) بعدم الجلوس على الأرصفة، ولعب (البلوت) أوالتحرش بالمارة، وخصوصا العمالة الآسيوية الذين يتعرضون لشتى أنواع الضرب، ناهيك عن المضاربات التي تقع عندما يتحرشون بشباب مراهقين في مثل أعمارهم". ويضيف اليامي: "وبالاضافة الى ذلك، نجد تحصيلهم العلمي في المدارس ضعيفا، ونجدهم غير مبالين بمستقبلهم" ويذكر: "نحن نعرف الطالب (العربجي) من خلال هيئته، وطريقة لبسه للشماغ، حيث نعرف انه من هذه الفئة، ومن ثم نعرف أن لديه خللا كبيرا في السلوك، ابتداءً من حضوره للمدرسة متأخرا وعدم مشاركته زملاءه طابور الصباح بشكل جدي، مرورا بعدم تفاعله مع الأنشطة المدرسية". لا.. للحوار! ويقول اليامي: "هؤلاء نجد لغة الحوار بينهم وبين معلميهم وزملائهم الطلاب مقطوعة، حيث نعاملهم -كمدرسين - كأنهم غير موجودين في الفصل، وذلك من باب العقاب لسوء سلوكهم"، ويضيف: "منهم من يجدي معه العقاب ويعدل سلوكه، ومنهم من نستدعي ولي أمره ونبلغه بسلوك ابنه". ويوصي اليامي بأن يكون هناك تكاتف بين المنزل والمدرسة لتضييق الخناق على الطالب، ومعرفة من هم أصدقاؤه وما الأماكن التي يذهب إليها. ويقول: "نحن بدورنا نبلغ ولي الأمر أولا بأول عن مشاكل ابنه في المدرسة، وعن مستواه الدراسي ليكون على علم بتطور حالته باستمرار".