يُتّهم الشاعر الشعبي دائما بعدم معايشته لهموم المشهد الثقافي بشكل جعله أكثر بُعدا عن تصنيفه ضمن النخبة المثقفة في بلاده، على اعتبار أن علاقته بالكتاب تكون (من بعيد لبعيد) بحسب نظرة المجتمع السائدة، غير أن ما يحدث في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي تختتم فعالية غدا يأتي بشكل مخالف تماما لهذه النظرة؛ حيث يحضر شعراء اللهجة المحكية بأعداد كبيرة بطريقة تؤكد اهتمامهم وحرصهم على استغلال هذه التظاهرة الثقافية التي تحتضنها الرياض كل عام لتوثيق علاقتهم بالسيد الكتاب والنهل من نميره الذي لا ينضب، بالرغم على أن هذا الإقبال جاء وسط خلو بطون الكتب التي تجاوز عددها نصف المليون من الأدب المحكي باعتبار أن دور الن شر لا تحبذ هذا النوع من الكتب وتبحث دائما عن إصدارات تستهد ف شرائح مختلفة من القراء بلغة معممة على أكثر من مجتمع وقريبة للغة الأم، وهو الأمر الذي يعني أن حضور الشعراء الشعبيين جاء بهدف الاقتراب من كتب الأدب العربي وربما التفتيش عن كتب تتناسب مع رغباتهم وميولهم، وبالتالي اكتشاف القارئ بداخلهم. وأمام ذلك يرفض السادة الشعراء أن يكون حضورهم في المعرض هامشيا ينتهي عند تصفح الكتب والحصول على فاتورة الشراء في تظاهرة ثقافية تصنف على أنها الأفضل في الوطن العربي؛ حيث أصروا على اقتحام عالم التأليف، وممارسة (برستيج) المثقفين من خلال الجلوس على منصات توقيع الكتب والإهداءات لإمضاء تواقيعهم على إصداراتهم في هذا المعرض. وتعتبر الساحة الشعبية (وهو المصطلح الأكثر التصاقا بالشاعر الشعبي) هي الأرضية الخصبة التي انطلق منها الكثير من الكُتّاب والمثقفين للتربّع على عرش المشهد الثقافي السعودي بعدما كانت أحلامهم لا تتعدى صورة (اليد على الخد) في مجلة شعبية تصدر شهرا وتتوقف بقية أشهر السنة. والنماذج هنا تبدأ من محمد الرطيان ذلك الشاعر الشعبي الذي يعتبر أول من أدخل موضة الغناء أو ما يسمى حاليا ب(الشيلة) للشعر الشعبي قبل أكثر من 15 عاما، قبل أن يصبح كاتبا حداثيا ومؤلفا وروائيا يتهافت القراء على شراء كتبه ورواياته؛ حيث حضر هذا العام برواية (ما تبقى من أوراق محمد الوط بان) التي تحتل مكانة مميزة في قائمة الكتب الأكثر مبيعا هذا العام، والحال ذاتها تنطبق على إصداره الأول الموسوم ب(كتاب) في معرض العام الماضي، مرورا بعواض العصيمي الناقد والشاعر الشعبي الذي حضر في أوقات سابقة من خلال روايته (قنص)، والشاعر إبراهيم الوافي الذي حضر بأكثر من إصدار، آخرها مجموعته الشعرية (فيما رواه) التي وجدت رواجا جيدا لدى زوّار المعرض، وفوزي المطرفي الذي أصدر مجموعته القصصية الأولى (رغبات)، وانتهاء بعدد من أبناء الساحة الشعبية الذين تواجدوا في معرض الكتاب هذا العام، أمثال: الدكتور نايف الجهني الذي حضر على ساحات المنابر الشعبية لمدة طويلة ناقدا وشاعرا، غير أنه يشارك هذا العام بإصداره الجديد (الكا رما في الإسلام) الذي يطرح رؤية جديدة تؤكد أنه من الممكن أن يكون الشعر علاجا، ولاسيما إن كان هذا الشع ر إنسانيا وتأمليا، يحمل فكرا وصورا، وكذلك الشاعر الجميل (سامي الجارالله) الذي شارك في معرض هذه السنة من خلال إصداره (أما بس)؛ حيث وقّعه لمعجبيه قبل أيام، وكذلك الشاعر والإعلامي هاني الظاهري الذي اعترف أخيرا ل شمس” بكتابته للرواية من خلال اسم مستعار. “شمس” التقت الشاعر فهد المساعد أحد نجوم الساحة الشعبية الذي يطير إلى كل مكان من أجل حضور معارض الكتب، غير أنه هذا العام يشارك بديوانه (قصائد) بعد خطوته السابقة (سالفة عشاق)، وطرحت عليه سؤالا حول إمكانية رؤية كتاب يحمل اسم (مذكرات شاعر شعبي) مثلا بين أرفف دور النشر في هذه المعارض على غرار كتب المذكرات الشهيرة، وجاءت إجابة المساعد مثرية، حيث قال: “هناك أسماء في الساحة الشعبية جديرة باتخاذ هذه الخطوة، أما من ناحيتي فلا أملك القدرة على ذلك على اعتبار أنني لن أضيف قيمة أدبية على هذا النوع من الكتب؛ فمن الممكن أن أكتب (شخابيط)، ولكن هناك من هو أجدر مني للقيام بهذه الخطوة”. ولأن المساعد يحادثنا وبجانبه الكاتب محمد الرطيان، سألناه عن إمكانية السير بالاتجاه ذاته الذي نهجه الرطيان؛ ليجيب المساعد: “محمد كان يجيد اللعب على وتر ابتكارات اللغة، وعرف ككاتب أكثر من كونه شاعرا. وحقيقة، المكانة التي وصل إليها يستحقها، وهناك شعراء كثيرون في الساحة قادرون على السير في الاتجاه ذاته”.