تذكر منيرة القحطاني (قارئة) أن شريحة من القراء تحرص على الحصول على توقيع الكاتب بغض النظر عن العنوان أو حتى توجه الكاتب، ومدى الاستفادة من محتوى الكتاب، والبعض الآخر يبحثون عن هذه التواقيع من باب المباهاة، ومن باب تجربة تقول عن نفسها: " بالنسبة لي كنت في بداياتي أفرح كثيرا بذلك لكوني مبتدئة وحصولي على نسخة موقعة من كاتب كبير يعد حدثا مهما في حياتي؛ لذا أكون حريصة على هذه النسخة دون سواها من الكتب، ولكن مع الأيام أدركت أن التوقيع مجرد رسم يتلاشى، كما أدركت أن المهم هو محتوى الكتاب، وليس الشكليات التي من ضمنها التوقيع". ذكرى وترى فاطمة عبدالمحسن أن توقيع المؤلف يمثل ذكرى جميلة لمن يقتني الكتاب: "فأنا أحب الكتب الموقعة، وأهتم بها لدرجة امتناعي عن إعارتها لأحد؛ خوفا عليها من التلف أو الضياع"، وعن سعي بعضهم لشراء الكتاب الذي سيوقع عليه المؤلف دون النظر إلى محتواه تقول فاطمة: "بالنسبة لي، أحرص على قيمة الكتاب المعرفية، فكلما كان الكاتب نابه الذكر، ذا تجربة وفكر عميق، كان توقيعه أثمن، أما إن كان الكتاب بلا قيمة فلا أعتقد أن هناك من سيحرص على اقتنائه". تقليد ويذكر طارق الحميد (كاتب صحافي) أن هذا الأسلوب طرقه فئة من الكتاب اتباعا لكبار المؤلفين العالميين: " ورغم أنه تقليد للمشاهير، إلا أني لا أرى فيه بأسا، فهو نوع من التطور في جانب التسويق أسوة بغيره من الجوانب الأخرى في حياتنا التي طالتها يد التطور". تسويق وتعتبر أميرة المضحي (روائية) أن في هذا الأسلوب ما يعزز تسويق المنتج الإبداعي: "كما أنها وسيلة تهدف إلى تشجيع انتشار الثقافة، وهي مطروحة في كثير من البلدان، فنجد هناك أن الكاتب يوقع لطابور من المشترين، وهو أمر نجد مثيله في بيروت"، وتذكر المضحي أن التسويق بات سبيل الكاتب لتسويق منتجه، وتشير المضحي في نهاية حديثها إلى وجود استهجان من شريحة كبيرة من المجتمع تجاه هذا الأمر. أوروبية ويضيف أحمد حسين القاضي (كاتب وقاص) في هذا الصدد: "توقيع المؤلفين على كتبهم فعل حضاري ظهر أولا في أوروبا وانتقل إلينا كما انتقلت السيارات ووسائل الترفيه وعصرنة الحياة، وهي من الوسائل الحديثة للتسويق وزيادة المبيعات، فالمرحوم محمود درويش كانت حفلة توقيع أحد دواوينه مهرجانا احتفائيا وفرصة ثقافية للاحتكاك بالكاتب، إضافة إلى كونك تأخذ من الكاتب تذكارا جميلا على نسختك من كتابه"، وأشار القاضي إلى أنه كان يسعى دوما لتكريس توقيع الكتاب في نادي جازان الأدبي عبر الاحتفاء المتواصل بالكتاب وفي المنتدى الحالي في ضمد أيضا وأضاف: "لا يهم أن يقتني أحدهم كتابا لتزيين مجلسه أو لقراءته فهي عادة حسنة لو انتشرت ظاهرة اقتناء الكتب والظفر بتوقيع مؤلف، ألن يكون أجدى من تزيين المجالس أو البيوت بالتحف الرخيصة؟". رفض "وسيلة اكيدة لتسويق المؤلف وزيادة المبيعات.. هذا ما ينظر اليه المؤلف - للأسف - بغض النظر عن اي اعتبارات اخرى"، هذا ما قاله ابراهيم النملة (الاديب والقاص) معلقا على توقيع الكتب، كما يشير الى ان الدور الناشرة للمؤلفين تشجع هذا الأمر من اجل زيادة المبيعات والربح، والمؤلف لا يفكر حينئذ الا في التوقيع للطبعة الاخرى بغض النظر عما يقدمه: "وفي رأيي ان العمل الناجح يقدم نفسه، وهناك اساليب اخرى غير التوقيع تساعد في هذا، فالنقد مثلا هو الأسلوب الأمثل لتوضيح محتوى الكتاب، وذلك ما يهرب منه غالبية المؤلفين العرب، أما يعلل به هؤلاء من تشجيع وتقدير المؤلف وتواصله مع القراء وتحفيز على القراءة، فتلك شماعات يطربون لقولها لغاية في نفس يعقوب"، ويشير النملة الى ان كثيرا من القراء يهتمون بمسألة التوقيع حتى لو كان لا يعرف المؤلف ولا يحبذ القراءة؛ لأجل المفاخرة بين معارفه بأن ذاك المؤلف وقع له مؤلفه شخصيا: "ولو نظرنا الى بعض الأعمال الأدبية الناجحة والمطلوبة من قبل القراء نجد ان مؤلفيها يقدمون اعمالهم دون اللجوء لبهرجة الدعاية والجلوس في زاوية لتوقيع الكتاب لذاك الهم الكبير. وواقعنا الأدبي يحتاج الى الكثير من الوعي ليس للقراء وانما للمؤلفين والأدباء، وهنا اقول من واقع تجربة وممارسة، ان غالبية المثقفين لدينا يحتاجون الى فهم الثقافة، ويحتاجون في المقام الأول الى التعريف بثقافة التوقيع على مؤلفاتهم؛ حتى لا يصبح التقدير ستارا نبحث من خلفه عن الربح المادي". عضباء ويقول عبدالحفيظ الشمري (قاص وروائي): "الذي يخطر على البال وأهجس به - بما انني اصدرت 15 مؤلفا - هو انني لم اصل بعد لقناعة بأن ما كتبته هو المميز، بل ان ما صدر لي من قصص وروايات لا يزال يصارع من أجل اثبات الذات"، وعن رأيه فيمن يوقع على مؤلفاته يجيب: "إذا رأيت من يوقع على كتبه لدينا أعرف أنه مصاب بأمراض (الأنَويّة)، وإلا فكيف تروج لنفسك برواية او قصص لم يطبع منها سوى (1000) نسخة وإن طبعت ثانية فألفٌ أخرى، نحن بحاجة الى وعي عام، وحرية في التعبير، وطرد للموتورين الذين يرون ذواتهم زيفا وتخلص من عقد ووساوس المؤامرة، والشعور بالضآلة امام عطاء الآخرين الذي لا ينضب"، ويعتقد الشمري ان توقيع الكتب قد يقبل وفق شروط: "منها: اذا تعددت المؤلفات وبرعت التجارب، وتخلص المؤلف من عقد الكمال والريادة، ففي هذا التراكم المعرفي، والنضال الإبداعي، والتميز المنهجي والكثافة العددية لحجم الإصدارات لدينا، فكل هذه الاشتراطات لا تقف حائلا دون تواصلنا ككتّاب للرواية والقصة والشعر مع المشهد الثقافي والأدبي لدينا وحولنا وفوقنا وتحتنا ان وجدوا، ولكن علينا التبسط ومعرفة الواقع الذي نعيشه الآن لكي نكون صادقين مع ذواتنا ومع القارئ الذي ينتظر مزيدا من التميز في عطاء الرواية والقصة على وجه التحديد، ويجب أن نؤجل امر التوقيع على المؤلفات، وان كنا ولا بد بحاجة الى استعراض الملاحة الأدبية والرشاقة الإبداعية، فلا مانع من ان يمارسها هؤلاء في ردهات المعارض وممراتها بدلا من تسكع اقلامهم على الورق الصقيل الذي تطبع الألف نسخة منه بألف دولار فقط. وما اود قوله في نهاية المطاف هو ان التوقيع على الكتب في هذا الوضع الراهن الملتبس هو من قبيل الإشارة الواهنة بيد عضباء". صحية من ناحيتها قالت الكاتبة والشاعرة د. فوزية أبوخالد: "ظاهرة توقيع الكتب حديثة لدينا في معارض الكتب التي تقام على فترات متباعدة، وأي ظاهرة لها جوانب سلبية وايجابية، ولكني ارى انها ليست ضارة لأحد بل هي صحية وحضارية تجمع الكاتب بقرائه وأحيانا يكون هناك نقاش حول الكتاب، وإن كانت هناك سلبية للموضوع فهي تنحصر في تفخيم (الأنا) والنجومية لشخص الكاتب وتستدرك، ورغم ذلك فلا أعتبرها احتفاء بالكاتب بقدر ما هي احتفالية بالثقافة؛ ومن هذا المنطلق أرجو وأدعو ألا تقتصر حفلات التوقيع على معارض الكتب فقط وانما يفترض ان تقيم المكتبات ودور النشر لدينا لكل كتاب جميل تصدره حفل تدشين كإعلان لهذا الكتاب، اضافة الى فتح باب النقاش واقامة الندوات؛ فدور النشر لا تعتبر جهات ربحية فقط بل هي منابر ثقافية، وأذكر ان احد فروع دور النشر العربية في لندن كان ملحقا بها دار ومكان تقام فيه نداوات ونقاشات للكتب التي تتولى اصدارها".