يعد الداعية الشاب سامي بن ثواب السبيعي أحد أشهر دعاة العصر الحديث، وذلك من خلال أسلوبه الفكاهي الشيق الذي يتبعه في أغلب محاضراته الدعوية، ويؤكد السبيعي أن هذا الأسلوب يمكّنه من مخاطبة الشباب بنفس لغتهم التي يفهمونها وبنفس الأسلوب الذي يحبذونه في وقت أصبح فيه كثير من الدعاة يخاطبون الشباب بلغة فيها كثير من الحزم والغلظة، لافتا إلى أن الخطاب اللين والفكاهة والطرفة المضحكة والموقف المؤثر والقصة المعبرة هي الأقرب لأي شخص تريد أن توصل إليه أي معلومة كانت. السبيعي الذي يحمل شهادة البكالوريوس من كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لم يتوقف كثيرا في محطة الدعوة الخطابية، بل تعداها إلى أسلوب آخر وهو الأسلوب الكتابي الأدبي من خلال تأليفه لكتاب (سنوات الضياع)، ذلك العمل القصصي الذي استغل فيه كل قدراته الأدبية لمعالجة الآثار السالبة التي خلفتها المسلسلات التركية التي غزت كثيرا من القنوات العربية في الفترة الأخيرة. بل أصبحت تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدا من قبل العرب والمسلمين، “شمس” التقته من خلال هذا الحوار الذي تحدث فيه بلباقة الداعية العارف.. فإلى مضمون الحوار. أولا نرجو أن تحدثنا عن أبرز إسهاماتك الدعوية؟ لي العديد من المشاركات الدعوية وخاصة الشبابية، إضافة إلى عدد من الأعمال الإسلامية ومنها مجموعة “سنوات الضياع“ بجانب عضويتي في مكتب الدعوة والإرشاد. (سنوات الضياع) فكرة مقتبسة من أحد المسلسلات التركية.. أليس كذلك؟ بلى.. فكرة العمل بدأت منذ سنتين تقريبا وهي محاولة يسيرة لإضفاء الساحة الإسلامية بمشروع دعوي جديد وهي عبارة عن مجموعة قصص واقعية مؤثرة جمعتها وعايشت بعضا منها، وتختلف كل قصة عن الأخرى، حاولت التجديد فيها؛ فكان أن وقع الاختيار على هذا العنوان وأعتقد أنني لامست من خلالها واقع المجتمع بفتح بوابة الأمل والرجاء لليائسين والقانطين من رحمة الله، انطلاقا من قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بشروا ولا تنفروا)، بعيدا عن روح التشاؤم التي دبت في قلوب بعض الناس من خلال الأسلوب المنفِّر والقصص المأساوية التي تبعد في الحقيقة الناس عن التوبة والهداية. ألا تتفق معي في أن العنوان فيه تشبه بالفسقة، وأنت حاولت استغلال شهرة المسلسل؟ لا أتفق معك؛ فالعنوان ليس من التشبه، وأتوقع أنه مناسب لكل قصة في هذا الكتاب، والمسميات ليست محصورة ولا مقصورة على أحد بعينه، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنَّى وجدها، وقد يستغل هذا كما ذكرت ولكن في تبيين الحقائق الغائبة والمفاهيم الخاطئة على بعض الناس. هل كنت ترمي إلى أهداف معينة؟ المسلم لا يعمل عملا إلا وله أهدافه، ولي في كل قصة من هذا العمل أهداف.. والمتأمل سيرى ذلك. برأيك.. لماذا نجح مسلسل سنوات الضياع؟ لأنهم استهدفوا الشريحة الكبرى في المجتمع وهي شريحة الشباب وعرفوا كيف يضربون على الوتيرة الحساسة وهي العاطفة ويتلاعبون بها، والإنسان بلا حب كجلمود صخر لا يستطيع الحياة مع الناس ومخالطتهم ومشاركتهم في الأفراح والأتراح؛ فالحب فطرة ومطلوب وجميل لكن أي حب؟ هذا ما نريد أن نصل إليه، لكن ليس هو ذلك الحب الذي شوهد في تلك المسلسلات الرومانسية الغرامية الانحرافية، بل هو العبادة التي لها حلاوة والتي هي أعلى عرى الإيمان، والتي قال فيها صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وذكر منها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، ومن المضحك المحزن في هذا الجانب أن المتابعين لتلك المسلسلات ليسوا شبابا فقط، بل منهم كبار السن أيضا وقد أخبرني أحد الشباب أن والدته البالغة من العمر 65 سنة من أشد المتابعين لها والمعجبين بها. كيف ترى دور الآباء والمربين في توجيه سلوك المجتمع؟ تتنوع حدود مسؤوليات الآباء تجاه الأولاد وتأخذ أبعادا متعددة لتشمل كل متطلبات الحياة، حيث يتحمل الآباء مسؤولياتهم نحو الأولاد قبل الإنجاب بحسن اختيار الزوجة الصالحة التي ستكون محضنا صالحا ومدرسة تربوية للأولاد، وبعد ذلك تهيئة البيئة الصالحة والأسرة الفاضلة، أما دور المربين فهو دور لا يطاق، بل هو جهد في غاية المشقة في زمن الفتن والمتغيرات والمؤثرات، ويحتاج إلى مزيد من المعارف والقدرات والمواهب ورصيد من التجارب والخبرات بعد توفيق الله عز وجل؛ لأننا في مجتمع تتجه معظم وسائل التأثير فيه اتجاها مضادا لما يريده الأب والمربي؛ فالشارع والسوق وزملاء المدرسة ووسائل الإعلام وربما المنزل والمدرسة تربي الشاب والفتاة اليوم على خلاف المنهج الشرعي ومن هنا يجب استشعار هذه الأمانة والرسالة. (سنوات الضياع) كشفت جانبا مخفيا.. كيف يمكن علاج هذا الجانب العاطفي؟ إن في القلب فراغا لا يملؤه أبدا إلا الإيمان، ونرجو ألا تتحول هذه العاطفة إلى عاصفة لا تحمد عقباها، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت العواطف والعلاقة مع الآخرين متوازنة ومنضبطة، وليكن الحب معتدلا من أجل الله. والميزان هو الإيمان بالله وتقواه، لا لأجل الجمال والأنساب والمصالح الدنيوية، وقبل هذا كله الحذر من الفراغ؛ فهو أساس كل شر ومفتاح المعصية والأفكار السيئة والقلق والانحراف، وبإمكان الإنسان أن يشغل نفسه بما ينفع من العبادة كالصلاة وقراءة القرآن والدعاء وغيرها، والارتباط بالأسرة ارتباطا وثيقا؛ فهم أولى بتلك العواطف وذلك الحب وتلك التضحية والإسراع إلى الزواج فهو علاج لكثير من الأزمات والمشاكل وقد انتهت كثير من العلاقات المحرمة بعد الزواج. هل ستركز على الجوانب التي تهم الأسرة والمجتمع مستقبلا؟ نعم سيكون ذلك قريبا بإذن الله تعالى ولدي فعلا مشروع يهم الأسرة والمجتمع وأتمنى أن ييسره الله لي. هل تعد ما تقوم به من وسائل الدعوة؟ الدعوة ليست مقصورة على الكلمة في الملتقيات والمدارس وعلى الأرصفة وفي السجون فقط، بل يلزم تنوع الطرح والمكان وتجديد الأسلوب وتعدد الوسائل حتى تصل الدعوة إلى أكبر عدد ممكن.