عندما بدأت آليات شركة مقاولات خاصة متعاقدة مع أمانة مكةالمكرمة العمل لإنشاء أرصفة حي الشهداء، في الطرق الرئيسية والفرعية، استبشر أهالي الحي وتناقلوا الخبر فيما بينهم؛ إذ سبق وطالبوا مرات عدة برصف شوارعهم وحواف منازلهم؛ للقضاء على الفوضوية في طرقات الحي، وتمكين السكان من استثمار أرصفة منازلهم بالتشجير بدلا من الغبار الذي يداهمهم كلما دخلوا أو خرجوا من بيوتهم. لكن هذه الفرحة لم تستمر؛ فبعد أيام قليلة من بدء العمل، حيث جرى حفر الطرقات بعمق يصل إلى نصف متر، كما جرى حفر خندق مماثل على الأطراف الجانبية التي تطل عليها المنازل في الشوارع الفرعية، فوجئ السكان باختفاء الآليات والعمال على حين غرة، دون أن ينهوا ما بدؤوه. فعاد الحي إلى وضع أسوأ، ودون وجه للمقارنة، مع وضعه السابق. ففي السابق كانوا ينعمون على الأقل بشوارع غير محفورة، ويمكنهم الدخول والخروج من منازلهم دون أن تطوقهم الحفريات، لكنهم الآن محاصرون في منازلهم، والحفريات المليئة بالتراب تنثر مخزونها يوميا في وجوه السكان. السكان يتحدثون في جولة أجرتها “شمس” في الحي تحدثنا إلى عدد من المواطنين بينهم محمد اللهيبي ومقبل وعادل الحربي، وقال أولهم إن الحفريات بدأت في مايو الماضي (أي قبل نحو ثمانية أشهر) ثم توقف العمال بعدما أتموا مهام الحفر ولم نرَ أيا منهم بعد ذلك؛ حيث ظلت الحفر على وضعها وفي بعض المناطق من الحي كانت هناك أكوام من أحجار الرصف المفترض استخدامها، لكنها تُركت هناك وأُهملت، بل إن بعض المواطنين والمقيمين استفادوا منها في شؤون خاصة نظرا إلى تركها مهملة أشهرا طويلة. حصار مستمر يقول مقبل الحربي إن الحفريات لو كانت تقتصر على الجزر الوسطية لطرق الحي لكان الأمر هينا، ولكن الإشكالية، بحسبه، تكمن في أن معظم الحفريات تحيط بمنازل مواطني الحي إحاطة تامة، وهي تسبب لهم معاناة كبيرة في كل مرة يدخلون فيها أو يخرجون، واضطر عدد من السكان إلى وضع جسور خشبية ليعبروا فوق الحفريات. القلق من المطر يشير عادل الحربي إلى أن القلق يساور سكان الحي في هذه الفترة بالذات حيث تهطل الأمطار من حين إلى آخر، وعندها يتحول الحي إلى منطقة من الوحل الطيني، تظل باقية حتى بعد توقف الأمطار لمدة طويلة، ومعلوم مدى الضرر الذي تتسبب فيه مستنقعات الأمطار إن وجدت خندقا ترابيا تتجمع فيه وتختلط معه بالتراب المليء بالقاذورات لتكون المحصلة طينا ملوثا يستقطب الحشرات والحيوانات الضالة فترتع فيه، في الوقت الذي يضطر فيه الساكن إلى الاعتصام بمنزله. نية المقاضاة من جانبهم أكد مواطنون من الحي وهم أحمد المحمادي ومحمد الصبحي وباسم الصبحي نيتهم الاجتماع بسكان الحي ومقاضاة الشركة المنفذة وطلب تعويض عن الأضرار التي سببها توقفها عن العمل دون مبرر واضح ولمدة طويلة. وقال المحمادي إن السكان كانوا يتوقعون ألا تطول عمليات التطوير أكثر من أسابيع، ولكنهم الآن يعيشون شهرهم الثامن في ظل هذه المعاناة. فيما أوضح محمد الصبحي أن من المشاكل التي يواجهونها عدم قدرتهم على الوصول بسياراتهم إلى منازلهم كما هو الحال في جميع الأحياء السكنية وفي كل المدن، بل هم مضطرون إلى الوقوف على مسافة تبعد عدة شوارع عن منازلهم كون الحفريات تقتطع أكثر من نصف متر من كل جانب من جوانب الطرق الفرعية، فلا يتبقى منها سوى مساحة قليلة بالكاد تكفي للمرور؛ ما يدفعهم إلى إبعاد سياراتهم وإيقافها بعيدا. الأعذار انتهت وقال باسم الصبحي إن سكان الحي قد التمسوا الأعذار للشركة المنفذة في بادئ الأمر، وقالوا إن الشركة لا بد أن تستأنف أعمالها بعد رمضان، ولما لم يحصل ذلك توقعوا أن الشركة تفضل العودة للعمل بعد نهاية عيد الأضحى، ولكن ذلك لم يحدث. وأشار الصبحي إلى أن أمانة مكة بدورها تتحمل جزءا من المسؤولية؛ حيث لم نرَ أي مراقب من الأمانة لمتابعة العمل في الحي رغم انتشار المراقبين في أحياء أخرى، ولكن ليس للنظر في أعمال الشركات بل لملاحقة الفقراء من الباعة الجائلين.