الثورة كظاهرة سبق أن عرفها التاريخ السياسي، لكن اليوم خرجت من مجلدات الكتب فباتت مألوفة في الشارع العربي. ما حدث منذ العام الماضي ومازال مستمرا اختلفت أشكاله وتداعياته، تونس سجلت تميزا وكتبت تاريخا جديدا وفق منطلقات واضحة فيما بقيت الدول الثائرة تهزم كل يوم أمام مطالبها ومحاولة الحصول على استقرارها.. لماذا أخفقت بعض الثورات وتخبط كثيرها؟ سؤال بحجم الأمنيات والتطلعات بات صعبا أن يصاغ له جواب مباشر.. إن إخفاق الثورة العربية وسرقة بعضها يجعلنا نستقرئ المجتمع العربي كبيئة وبنية وخطابات توجه الرأي العام، فهي بيئات تهمش الأفراد وتعتني بصورتها الخارجية أكثر.. فقامت الثورات استردادا لكرامة مهدرة غير أنها أخفقت في تحديد مسارها، وأشكل عليها اختيار قائدها فتعددت الانقسامات وضاعت الأصوات تحت وطأة الأحزاب.. لماذا حدث هذا؟ لأننا قوم لا نصنع الرمز- لا نبني الإنسان سواء في أسلوب التربية واحترام الذات أو من خلال تدجينه بالأفكار والمعتقدات المغلوطة وقطع لسانه وتسفيه فكره - وبيئة لا تعتني بصناعة الرموز حظها الضياع والتشتت. فبيئاتنا العربية تنتج استبدادا ودكتاتورية وعظمة عمياء وعقولا تعبأ لتقاد بسهولة!! فقد نسي الثوريون أن تغيير حاكم مستبد لا يعني إنهاء أو إلغاء جذور الاستبداد فالبيئة نفسها مهيأة لعملية الاستبداد، إضافة إلى النصوص والتأويلات التي تعززه وتسهم في بلورته.. الثورات العربية جعلتنا فرقا؛ هناك من استبشر وهناك من استنكر وآخر توجس.. وفئة من السواد العظيم لا تعرف كيف تصوغ لنفسها رأيا..! ثمة إشكاليات عديدة وفاعلة في خلق الاستبداد وصناعة أهله.. لقد أخفقت الثورات العربية في مسألة تحديد الحاكم المناسب.. أو حتى رسم سياسة لهذا الحاكم القادم.. فضاع صوتها مع نواح الأنظمة.. فلم يقرأ الثوار التجربة التاريخية عمن سبقهم كي يسيروا بثوراتهم وفي سياق الهدف الأساس كي لا تتجاذبه أهداف أخرى ثانوية.. وإلا أصبحت الثورة وجها آخر من اغتصاب الأوطان!!