كشف تقرير صادر حديثا، أن السكن الميسر يستهلك نحو 30 إلى 35 % من متوسط دخل الفرد، ونجد أن النقص في المعروض من المساكن الميسرة يشكل مصدرا للقلق في العديد من دول العالم العربي بما فيها السعودية. وأوضح الأهلي كابيتال، مدير الثروات العامل بالمملكة، في تقرير يحلل استراتيجية المملكة المعتمدة للقطاع العقاري، ويبحث في أهم الفوائد والعوائق التي تواجه توفير المساكن الميسرة في المملكة أنه «بعيدا عن الدور المهم الذي تلعبه الحكومة في توفير الإسكان الميسر، نجد فجوة كبيرة بين العرض والطلب على المساكن في المملكة. فمن ناحية، هناك فائض في عرض الوحدات السكنية الفاخرة، ومن ناحية أخرى هناك نقص شديد في عرض المساكن الميسرة التي يكثر الطلب عليها». وضمن الجهود الرامية لدعم تلبية الطلب على الإسكان الميسر، تفتح الأهلي كابيتال هذا الملف وتسلط الضوء على العوامل الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي تجعل توفير الإسكان الميسر ركنا أساسيا في تطوير البلاد. وفي تعليق على تلك العوامل، أوضح رئيس إدارة أبحاث الأسهم المكلف بالأهلي كابيتال فاروق مياه، «نؤمن بأن الإسكان الميسر يسهم في تخفيف حدة المخرجات الاجتماعية السلبية. محدودية السكن الميسر قد تحد من قدرة الأفراد على تلبية احتياجاتهم الأساسية الأخرى، بما في ذلك الغذاء، والدواء، أو حتى الادخار من أجل مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم، ما يؤدي إلى إشكالات اجتماعية، كارتفاع معدلات الجرائم. وإذا ما أتيح الإسكان الميسر، فسيعني ذلك توفيرا في الإنفاق الحكومي، حيث ستكون في غنى عن تحمل تكاليف عواقب تلك الإشكالات». العرض والطلب الحالي من الإسكان الميسر بالمملكة وفقا للأهلي كابيتال فإن أسعار الأراضي المرتفعة بالمملكة تعد العائق الأساسي أمام تطوير الإسكان الميسر، إلى جانب قضايا رئيسية أخرى، بما في ذلك تكاليف الإنشاء، ونقص المعروض من الأراضي الصالحة لأغراض السكن الميسر، والبيروقراطية، ومحدودية الخيارات المالية المتاحة للأفراد. ويعلق مياه بقوله «بالرغم من ارتفاع الطلب على الإسكان بشكل عام في المملكة، ينبغي استيعاب مبدأ التيسير بهدف ترجمة الطلب المحتمل على المساكن إلى أرقام فعلية يمكن تحقيقها». ونظرا للتكاليف الباهظة للأراضي بالمملكة، والانخفاض النسبي لمتوسط دخل معظم السعوديين «متوسط دخل الأسرة السعودية يبلغ حوالي 5.900 ريال في الشهر» نعتقد أن يقود هذا إلى طلب كبير على الإسكان الميسر». وأضاف مياه «بسبب وجود العديد من المعوقات التي تحد من انسيابية تحركات السوق، نعتقد أن السوق غير قادرة بمفردها على توفير السكن الذي يكون في متناول ذوي الدخل المنخفض دون اللجوء إلى الدعم الحكومي». العوامل الديموجرافية تشير إلى أن الطلب سيظل مرتفعا ولدى تسليطه الضوء على الخريطة الديموجرافية للمملكة، أفاد الأهلي كابيتال بأن 58 % من السكان السعوديين تحت سن ال25، وأن متوسط حجم الأسرة ينخفض نسبيا مع مرور السنين، وهكذا فإن الطلب على المساكن الميسرة سيرتفع، حيث سينتقل معظم هؤلاء الشباب للعيش في مساكن خاصة بهم. وأوضح الأهلي كابيتال أن الدولة ستكون بحاجة إلى 973 ألف وحدة سكنية إضافية خلال الفترة من 2010-2015 وإجمالي 2.1 مليون وحدة خلال العقد المقبل «215 ألف وحدة في السنة». مشيرا إلى أن «تقديرات الحكومة للطلب على المساكن هي أعلى من تقديراتنا. فوفقا ل«خطة الخمسة أعوام التنموية» التاسعة، تقدر الحاجة عند حوالي 1.2 مليون وحدة خلال الأعوام الخمسة المقبلة أو «250 ألف وحدة في السنة الواحدة». التحكم بالعرض يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأراضي. ويشير تقرير الأهلي كابيتال إلى أن عددا قليلا من الأفراد يسيطر على سوق العقارات في المملكة ويتحكم بتحركاتها. وهذا بحد ذاته يشكل عوائق بالنسبة لمشكلة المساكن الميسرة ومن أهمها ارتفاع تكلفة الأراضي. ففي المملكة، لا يتم فرض الضرائب على ملاك الأراضي، ولذلك فهناك القليل من المحفزات أو الضغوطات لبيع قطع الأراضي التي ستزداد قيمتها مع مرور الوقت. وعندما تكون قيمة الأرض نحو نصف تكلفة تطوير الوحدات السكنية، فبالطبع سيكون هناك حاجة إلى إجراءات حكومية فعالة لتخطي هذه العوائق. في الرياض، على سبيل المثال، يبلغ سعر المتر المربع للأرض نحو 50 % من سعر المتر المربع للفيلا في الفئات المرتفعة السعر، لكن هذه النسبة تنخفض إلى نحو 20 – 30 % في الفئات المنخفضة. ويبلغ متوسط سعر الأرض في الرياض نحو 1.000- 1.500 ريال للمتر المربع. وفيما يتعلق بتكلفة الإنشاء، أشار مسح أجرته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في عام 2009 إلى أن تكلفة إنشاء فيلا صغيرة «مساحة الأرض 327 مترا مربعا، والمساحة المبنية 320 مترا مربعا» تبلغ نحو 1.120 ريال للمتر المربع. ونتوقع أن تكون التكلفة قد ارتفعت بنحو 10 % خلال العام الماضي إلى 1.200 ريال للمتر المربع نتيجة لارتفاع أسعار المواد الخام والأيدي العاملة. وبوجه عام، فإن العائد من تطوير الأراضي هو ما يدعم أسعار الأراضي. وبالنسبة للمطورين الذين يهدفون إلى عائد بنسبة 30إلى 35 %، فإن أسعار الأراضي هي المحدد الأساسي للعائد. وفي استطلاع أجرته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في 2009، صنف المطورون تكلفة الأرض على أعلى القائمة حينما سئلوا عن سبب عزوف العديد من المستثمرين من الاستثمار في التطوير السكني. محدودية الخيارات التمويلية. ويشير تقرير الأهلي كابيتال إلى أن صندوق التنمية العقارية يعتبر حاليا الموفر الأساسي للتمويل السكني في المملكة. وهناك حاجة إلى حلول بديلة في السوق خصوصا مع تزايد عدد طلبات التمويل السكني. وفي هذا الصدد، يقول مياه «قانون الرهن العقاري الذي طال انتظاره سيسهل الحصول على تمويل سكني طويل الأجل إلا أننا لا نعتقد أن هذا سيوفر منتجا جديدا في السوق سيسمح للناس بامتلاك بيوت خاصة بهم. وحاليا، توفر معظم البنوك والشركات التمويلية حلولا تمويلية للأفراد لشراء منازل، إلا أن نهجها لا يزال متسما بالتحفظ» وتلعب الحكومة دورا مهما في توفير الإسكان الميسر، وأوضح مياه «عند تحليل أسباب شح المساكن الميسرة وبالنظر إلى الكثير من دراسات الحالة الناجحة، نجد أن الحكومة تلعب دورا مهما في ذلك، ونعتقد أن الحكومة السعودية يمكنها أن تلعب دورا كبيرا في توفير المساكن الميسرة» ففي وقت سابق من العام الماضي، أصدر خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز عددا من المراسيم الملكية التي تهدف إلى تذليل العوائق المتمثلة في ارتفاع أسعار العقارات وعدم التوازن في سوق الإسكان، وقد تضمنت هذه المراسيم إنشاء 500 ألف وحدة سكنية ميسرة. وهذه مبادرة عظيمة من الحكومة السعودية في محاولة لحل المشكلة. ووفقا لتصريح من مصدر رسمي، ستلبى متطلبات الأسر التي يبلغ دخلها الشهري خمسة آلاف ريال أو أقل. ومع تركز السكان السعوديين في ثلاث مدن كبرى هي الرياض، وجدة، والدمام، يعتبر توفير المساكن الميسرة حول هذه المدن حركة بالاتجاه الصحيح. وأحد الحلول الممكنة هو محاكاة التجربة البريطانية في إنشاء مجمعات انتقالية سكنية خارج المدن الرئيسية تمكن سكانها من الانتقال من وإلى المدن الكبرى من أجل العمل. ومن وجهة نظر الأهلي كابيتال، يمكن تطبيق هذا المفهوم في العاصمة الرياض باتباع الاستراتيجية ذاتها نظرا لكثرة الأراضي غير المطورة والمحيطة بمدينة الرياض. إلا أن تدخل الحكومة يعد أمرا ضروريا لتحقيق ذلك، حيث عليها أن تضمن ملاءمة البنية التحتية ونظام المواصلات وتفعيل قانون الرهن العقاري. وأكد التقرير على ضرورة أن تركز الحكومة على مجالين أساسيين لتحفيز إنشاء مجمعات انتقالية سكنية في المملكة: المجال الأول هو البنية التحتية، ويتضمن توفير مواصلات ملائمة، ورخيصة من وإلى هذه المنشآت وإلى داخل المدن أيضا. أما المجال الآخر، فهو الإعانات الحكومية، حيث على الهيئات الحكومية بشكل عام القيام بمساعدة المطورين في توفير الأراضي والمواد الخام وتكاليف الإنشاء من أجل استكمال أي مشاريع قيد التنفيذ. ويختتم الأهلي كابيتال تقريره بالتأكيد على أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو أمر آخر لا بد للحكومة من التركيز عليه لتوفير المساكن الميسرة وتتضمن هذه الشراكة تفاعل بناء بين الهيئات الحكومية والكيانات الخاصة. وفي مثل هذه الحالات، توفر الكيانات الخاصة المشاريع التي تتلقى خدماتها المالية والتقنية والتشغيلية من الحكومة .