بعدما بنى امبراطورية هائلة، حكم سيلفيو برلوسكوني إيطاليا عشرة أعوام في «قصة نجاح» انتهت، أمس، برحيله وسط شتائم وهتافات ضد «الفارس» الذي أنهكته فضائح جنسية ومشاكل قضائية. وقدم رجل الأعمال الثري استقالته بعد تبني البرلمان إجراءات اقتصادية تهدف إلى طمأنة الأسواق والشركاء التجاريين لإيطاليا، بعد أن اتهم بالإضرار بمصداقية البلاد. وقبل الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو استقالة «الفارس» الذي اضطر لمغادرة القصر الرئاسي من باب خلفي لأن المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مدخله الرئيسي كانوا يصفقون فرحا ويرددون هتاف «مهرج.. مهرج». وقبل ساعة من ذلك استقبله الحشد بهتافات «المافيا.. العار.. السجن» و«الربيع.. الربيع» في إشارة إلى الحركات الاحتجاجية العربية. ولد برلوسكوني في 29 سبتمبر 1936 في ميلانو «شمال إيطاليا» لدى عائلة موظف مصرفي، وأظهر باكرا موهبة في مجال الأعمال والتواصل مع الناس. ويعترف برلوسكوني الذي يتمتع بذكاء حاد وخيال واسع، بأن لديه عقدة التفوق على الآخرين. ويصفه المعلق السياسي سيرجيو ريتسو بأنه «من الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا العروس في كل عرس والميت في كل جنازة». وعمل برلوسكوني لفترة مغنيا في الأندية الليلية وعلى السفن المتخصصة في رحلات الترفيه. وفي نهاية الخمسينيات كان يبيع مكانس كهربائية ونال في 1961 شهادة في الحقوق، وجمع ثروته من العقارات عبر بناء مجمعات سكنية قرب مسقط رأسه. وعبر تجهيز هذه المساكن بالقنوات التليفزيونية المشفرة، وضع اللبنة الثانية في ثروته: الامبراطورية التليفزيونية «ميدياسيت» التي تدخل قنواتها الثلاث اليوم منازل جميع الإيطاليين. لكن هذا النجاح لم يتحقق من دون اتصالات كثيفة بعالم السياسة والمال خصوصا حين وطد برلوسكوني علاقته ببيتينو كراكسي، رئيس المجلس الاشتراكي في الثمانينيات الذي أصبح مرشده قبل فضيحة عام 1993 التي اضطرته للرحيل إلى تونس حيث توفي. ونجح برلوسكوني في أن يحتل طوال عشر سنوات المرتبة الأولى لأصحاب الثروات الكبرى في إيطاليا قبل أن تؤثر عليه تقلبات البورصة لكنه لا يزال يحتل المراتب الخمس الأولى. ودخل برلوسكوني في 1994 المعترك السياسي وخلال أسابيع شكل حزب فورتسا إيطاليا. وبعد أن تحالف مع الفاشيين الجدد في الحركة الاجتماعية الإيطالية بزعامة جان فرانكو فيني والشعبويين في رابطة الشمال التي يتزعمها أومبرتو بوسي، فاز برلوسكوني في الانتخابات التشريعية في إبريل 1994. وانهارت حكومته بعد سبعة أشهر مع انسحاب حلفائه منها. وفي 2001 تولى مجددا منصب رئاسة الحكومة حتى إبريل 2006. وبعد خمس سنوات في السلطة هزم في الانتخابات التشريعية على يد خصمه اليساري رومانو برودي الذي لم ينجح في الحفاظ على وحدة ائتلافه ما سمح لبرلوسكوني بالعودة إلى سدة الحكم في 2008. ويرى الرجل أنه «أفضل رئيس وزراء عرفته إيطاليا». لكن برلوسكوني، المتزوج مرتين وله خمسة أولاد وعدد من الأحفاد، واجه متاعب عديدة مع القضاء في قضايا فساد. ولا يزال يحاكم في ثلاث قضايا لكنه لم يدن قط وبرئ على الدوام أو «أطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة». ويعلق برلوسكوني القصير القامة أهمية كبرى على مظهره وقام بعمليات زرع شعر وأجرى عملية تجميل في العينين. وتتصدر قضية «روبي جيت» وسائل الإعلام منذ أسابيع بعد نشر عشرات المحادثات الهاتفية بين مجموعة من الشابات ومنظمي سهرات فاحشة في منازل برلوسكوني الذي اتهم بإقامة علاقة مع مغربية قاصر تدعى كريمة المحروق ملقبة ب «روبي»، مقابل المال واستغلال منصبه للإفراج عنها بعد توقيفها في مايو بتهمة السرقة. وهي ثالث فضيحة جنسية يتورط فيها برلوسكوني بعد فضيحتي نويمي «مايو 2009» القاصر التي كلفته علاقته بها طلب طلاق من زوجته، واداريو«يونيو 2009» المومس التي روت تفاصيل ليلة قضتها معه. وقد يعود برلوسكوني ب«دوام كامل» إلى رئاسة نادي ميلان لكرة القدم الذي أنقذه عام 1986 من الإفلاس وجعله أحد أبرز الأندية في أوروبا. وقد يستطيع الرجل الذي يعتبره الكثير من الإيطاليين «أفضل قائد لنادي كرة قدم في العالم»، تلميع صورته لأنه يعتبر في هذا العالم الخرافي الذي تعيشه الساحرة المستديرة