مع التجربة الإعلامية التي استمرت لأعوام في القنوات الدينية ظهرت كثير من العيوب المهنية التي قد لا يلحظها المتلقي العادي، ولكن في المحصلة ينعكس ذلك سلبا على القيمة الإعلامية للطرح الذي تقدمه تلك القنوات خاصة إذا ما اشتبه في أنها تستخدم المادة الدينية في إطار استثماري صريح. ولا شك في أن الاستثمار في الفضائيات ذات الصبغة الدينية مطلوب لمنافسة القنوات العقدية حتى لا تشوش على المتلقين عقائدهم، وذلك من خلال مادة دعوية رصينة ومميزة تبسط القواعد الفقهية وتتنزل بها إلى الناس بحسب إدراكهم، إلا أن ذلك النوع من الاستثمار أصبح يتجه إلى تجارة مشكوك في قيمتها وقد لا تخدم الدعوة. يعتبر الخبير بالشؤون الإعلامية وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور مالك الأحمد أن القنوات الدينية في العالم العربي تقوم بدور فاعل ومؤثر مع تقادم الوقت مما يجعلها تتبوأ مكانة لدى المتلقي خاصة، وأن الجماهير العربية تتمتع بعاطفة دينية جياشة مما ساهم في نجاح عدد من هذه القنوات، وإن كان نجاحها على صعيد ضيق؛ لأن قنوات القمة في العالم العربي لها مواصفات معينة من أهمها الإبهار البصري والملاءة المالية وكذلك البعد الخاص باهتمامات الناس بشكل عام، لكن القنوات الدينية تؤدي دورا فاعلا ولها جماهيرية جيدة وهذا ملاحظ في السعودية ومصر، على سبيل المثال. وبشأن الاستثمار في الإعلام الديني يوضح الأحمد أن هناك فكرتين للاستثمار في هذا الإعلام: الأولى ترتكز على الجانب الدعوي للوسيلة، والثانية ترتكز على رؤية تجارية ربحية، وكلتا الفكرتين لهما تطبيق على الواقع، لكن ليس بتلك الدرجة التي قد يتصورها البعض، خاصة وأن القنوات التي ترتكز على جانب دعوي هي في حقيقة الأمر تعتمد على التبرعات والهبات والدعم غير المنظم من قبل مؤسسات خيرية ودعوية أو حتى أفراد يملكون هذه الوسائل، وهي في تقديمها للمنتج لا تحرص كثيرا على الجودة، وإنما تقدمه بشكل يرضيها في المقام الأول وبتكلفة منخفضة إلى حد كبير، أما في الجانب الآخر وهي الوسائل التي تعتمد الجانب الربحي فهي تقدم عملا إعلاميا بجودة مقبولة، وفرضية نجاحها في الربح تعد أكبر من الدعوية، لكنها لا تتجاوز الربح الضئيل أو حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهذا مع الوقت لن يجعل هذه القنوات تستمر في تقديم رسالتها. فاقد الشيء ويشير الأحمد إلى القنوات الدينية ودرجة انتشارها وتأثيرها «هذه القنوات لها انتشار جيد لدى المتلقين، وتحظى بمتابعة واسعة في صفوف المتدينين، لكن عند مقارنتها بالقنوات الأخرى والتي تحظى بمتابعة واسعة للغاية تقدر بالملايين في أوقات الذروة، فهذا بالتأكيد لم تصل له القنوات الدينية، كما لم تصل له قنوات تملك ترسانة مالية وقدرات احترافية؛ بسبب التأثير والنفوذ الذي استحوذت عليه قنوات معينة منذ وقت مبكر، وتحتاج القنوات الدينية إلى جهد مضن للوصول إلى حالة مرضية وإلى مستوى قنوات هادفة أحيانا، وهو أمر مستبعد عطفا على الخبرة والإمكانيات التي تملكها هذه المؤسسات الإعلامية، وكذلك ضعف القائمين عليها إعلاميا، فأكثرهم ليس له ممارسة إعلامية مسبقة، أو حتى تخصص إداري، وإنما هم دعاة أو مشايخ تسنموا هذه المراكز، وفاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه، ويمكن قياس هذا من خلال متابعة بعض القنوات التي تتشابه تماما فيما تطرحه، حتى من الناحية الفنية، فصورة الاستديو واحدة، والشيخ على كرسي وأمامه طاولة يتحدث إلى الشاشة. اختلاط مصالح وحول الأبعاد السياسية التي تمثلها القنوات الدينية، قال الأحمد إن القنوات الدينية في الغالب تنطلق للدفاع عن أفكار أو ترويج أفكار دينية وتهتم بالعقيدة، ويمكن ملاحظة هذا حتى في القنوات النصرانية، والتي تتشابه كثيرا مع القنوات الدينية الإسلامية، في طريقة التمويل فهي لا تحصل من خلال الوسائل المعروفة التي من أهمها الإعلان، بل قد تمر أياما وأنت لم تشاهد إعلانا واحدا في هذه القنوات، والتي تعتمد على التمويل الكنسي مثلا في القنوات النصرانية، ويمكن أن يكون لها بعد سياسي، لكن البعد الأكثر ظهورا هو البعد العقدي، وغالبا تجد هذه القنوات تعاطفا كبيرا من الناس، وتحصل على التمويل المطلوب في أوقات قياسية، وحول التوجه لبعض القنوات الدينية وتدخلها في الشؤون السياسية والربيع العربي «هذه القنوات لا تنطلق من بعد سياسي أو حتى إعلامي، وإنما تحاول أن تنحو نحو المنحنى الديني، وتتحدث في هذا الإطار، وفي حقيقة الأمر تختلط المصالح السياسية والدينية، لكن الباعث الحقيقي لها هو الدين، وهي تحاول أن تدافع عنه بكل وسيلة ممكنة». لا منافسة من جانب آخر، يؤكد المستشار الإعلامي الدكتور فيصل الماجد أن القنوات أو الوسائل التي تتخذ من الدين وسيلة لجذب المتابعين هي قنوات فاشلة على الصعيد المهني؛ لأن المادة الإعلامية تفرض حضورها من خلال الجزئيات التي تتناولها، وكذلك الأبعاد الفنية المؤثرة في تشكيل المتابعين بشكل أساسي، أما التسويق الذي نشاهده اليوم فهو لا يستند إلى مبادئ أو خبرات حقيقية، وأنصح هذه القنوات بالإغلاق سريعا؛ لأنها تشوه الصورة لدى المتلقي وتختزل النظرة نحو الدين في هذا الظهور الهزيل ومن الأفضل أن يطوروا الوسائل التقليدية التي عرفهم الناس بها، وحول تأثير هذه القنوات على العقل الجمعي للمجتمع. ويشير الماجد إلى أن هناك تأثيرا، وإن كان محدودا، والمطلوب هو أن تطور هذه القنوات قدراتها وإمكانياتها؛ لكي يكون لها تأثير أعمق أما بصورتها الحالية فهي تحتاج إلى عقود من أجل أن تصل إلى منافسة قناة واحدة من القنوات الأولى مشاهدة في الوطن العربي، كما أن مشكلة هذه القنوات عدم تحديد أهدافها بشكل دقيق وتتفاجأ بالتحولات التي تسير عليها، فقناة مثلا تنتهج فكرة برامج الواقع وبعد مدة تفاجأ أن البرامج أصبحت مسجلة أو مباشرة عبر الاستديو، ويبقى الاستديو هو المكان المفضل عند هذه القنوات، بل تمر أعوام ولم يظهر برنامج واحد يلامس قضايا الشارع، للأسف الشديد .