أوضح الأمين العام المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي «د.محمد بن عمر بادحدح» بأنّ التنصير يستخدم كل الوسائل الحديثة لبث أفكاره الباطلة في القارة السمراء، ويعد الإعلام أبرزها وأكثرها أثراً، لما له من قدرة فائقة على الاستقطاب والجذب والتأثير في القطاعات والشرائح المختلفة في كل المجتمعات، وهو أشد الوسائل الفاعلة والمساندة لحملاتهم الهادفة إلى تغيير عقائد الشعوب، واستطاعوا تفعيل الدور الخطر للكلمة المسموعة والمقروءة في إيصال رسالتهم وطرح أفكارهم إلى الأفراد والمجتمعات. وقال في حديث ل»الرياض» إذا كانت الدول الإسلامية معنية بنشر الإسلام أو الحفاظ على المسلمين، فهي مطالبة برصد ميزانيات كافية لدعم الإعلام لإيصال صوت الإسلام المعتدل الصحيح النقي؛ ليصل لكل الناس بلغاتهم وعبر القنوات التي يفهموها ويستوعبونها، سواء بالراديو أو التلفزيون أو المطبوعات أو صحف دورية ومجلات وغير ذلك كثير، وفيما يلي نص الحوار: أهمية الإعلام * للإعلام أهمية كبرى في نشر الإسلام وتعزيز ثقافته، فهل تهتم المؤسسات الخيرية بالشكل المطلوب؟ - قضية الإعلام مهمة، وتقوم برأيي على عدة محاور: المحورالأول: لا بد للجمعيات الإسلامية العاملة في الميدان أن تستوعب بقدر كاف أهمية الإعلام ودوره وتأثيره سواء في نشر الدعوة أو التصدي للدعوة المضادة، لأنها قضايا فكرية، والإعلام هو الحامل للفكر، وأهم وسيلة للإقناع من خلال الفكر. المحور الثاني: مدى تحول هذه الخطوة للواقع؟ وما إذا قد تم ذلك فعلاً، فأجيب بنعم .. ولكن.. بشيء من التحفظ، فهناك منظمات تعمل في الميدان وتحديداً في أفريقيا رغم قلتها، ومعظمها خليجية، والتي التفتت منذ وقت مبكر لهذا الأمر، فأسست ما يسمى بالإذاعات الإسلامية والإذاعات المحلية، وكان منها أعداد كبيرة، وفي دول كثيرة، وكان لها أثر كبير ومحمود بفضل الله تعالى، لكن تحفظي هو على أدائها، إذ ليس بإمكان هذه المنظمات بمعطياتها المادية والتقنية التوسع ليكون لها بث فضائي وقنوات مرئية، أسوة بما للتنصير من دعم وإمكانات، والذي يمتلك الأموال ويبحث لها عن مشاريع، في حين أنّ المنظمات الإسلامية لديها المشاريع ولكنها تبحث لها عن مال، فهذه المعادلة هي التي تحكم سير العمل في الميدان. «الكنيسة» أعلنت عام 2000م أفريقيا قارة نصرانية ولكنها حالياً القارة الإسلامية الأولى في العالم المحور الثالث: هو كيفية سد الهوة بين ما هو مطلوب ومحتاج فعلاً وبين ما هو واقع، فردم الهوة يتطلب تضافر جهات عدة في هذا الصدد، كالمستفيدين من أبناء المنطقة ذاتها والدول المسؤولة عن هؤلاء المستفيدين، والمنظمات التي تتحالف مع بعضها لتقوية إمكاناتها. وعلى الدول الإسلامية واجب كبير في هذا الصدد، بما فيها الدول العربية وذلك بنص القرآن الكريم، ولا تملك التفلت أو التهرب منه، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ، فنحن لم نخرج لأنفسنا وإنما أخرجنا للناس، ودعوتهم لطريق الخير، وإخراجهم من ظلمات الإلحاد والشرك وهدايتهم لنور الإسلام والتوحيد والطريق الموصل للجنة . ثقافة المانحين * ولكن لماذا لم تسخر المؤسسات الخيرية أموالها وجهودها للعمل الإعلامي وإنشاء الإذاعات؟ واقتصرت على العمل الإغاثي من إطعام وكسوة؟ - يعود بعض ذلك لثقافة المانحين، فهذه منظمات شعبية في المقام الأول، وتتعامل مع المتبرعين من شعوبها، وفي كثير من الأحيان لا تتلقى دعماً يذكر من الدول، بعكس المنظمات الأممية والصليبية والتنصيرية؛ التي تتلقى دعماً قوياً من دولها التي لا تكتفي بذلك، وإنما تخصص جزءاً من معوناتها الدولية تنفقها على أهدافها. إذ نجد أن كثير من المانحين وعامة الناس، لا يتفاعلون في أغلب الأحوال إلا مع الكوارث والأزمات، رغم ما للإعلام من أهمية بالغة بإمكانياته الضخمة، فنحن نتكلم عن دعم لا يستطيع أن يقف وراءه إلا الدول، فإذا كانت الدول الإسلامية معنية بنشر الإسلام أو الحفاظ على المسلمين، فهي مطالبة برصد ميزانيات كافية لدعم الجهد الإعلامي، لإيصال صوت الإسلام المعتدل والنقي للناس كافة بلغاتهم المختلفة وعبر القنوات التي يفهموها، سواء من خلال الراديو أوالتلفزيون أوالمطبوعات أوصحف دورية ومجلات وغير ذلك كثير. الدول مطالبة برصد ميزانيات كافية لدعم الإعلام لإيصال صوت الإسلام المعتدل تجربة ناجحة * لكم تجربة عبر (إذاعة البيان) التي أنشأتها الندوة في تشاد؟ وهل تدعمون أي إذاعات إسلامية أخرى؟ - هي تجربة رائعة وناجحة، وهناك طلبات عدة بوجوب نقلها لأكثر من دولة، بل وفي جميع الدول التي نعمل فيها وتقديم دراسات الجدوى، والدراسات شبه مكتملة مع الميزانيات، ولكنها تأخرت لظروف مرت بالندوة، ونحتاج بعض الوقت لتوفير ميزانيات التنفيذ مرحلة بعد مرحلة ، ومشروعاً بعد مشروع، والإعلام أو إذاعات تحتاج لدعم ونتأكد من مصداقيته ونزاهته وسلامته من الإنحرافات العقدية والفكرية نوليه اهتماماً خاصاً، ونحرص أن يقدم ما يهم قضايا الشباب ويعالج مشاكلهم، وغالباً يكون دعماً مادياً، إما لاستكمال بعض الأجهزة والتقنيات؛ أو تطوير ما هو موجود لديها أو الميزانيات التشغيلية. الخبرات الفنية * ولكن بعضها قد يحتاج لدعم مهني، في إعداد البرامج والمنوعات والمواد الدينية على سبيل المثال؟ - ليس لدينا مثل هذه الخبرات الفنية، ولكن هذه الإذاعات لو احتاجت مثل هذه المواد فهي تعرف الجهات المعنية بهذا العمل وتتعاقد معها، لكن هناك المادة الإعلامية بالذات المسموعة منها متوفرة لدينا، ومولنا كثير من الجهات التي طلبت شيئاً مخصصاً، وأعطيناها ما هو متاح لدينا، وهي عبارة عن محاضرات ودروس شرعية وثقافية وفكرية وأسئلة وأجوبة وفتاوى فقهية تبث عبر الأثير من خلال هذه الأشرطة . التحدي الكبير * هل واجهت إذاعة البيان أية تحديات؟ - نعم، كان التحدي الكبير هو مخاطبة المسلمين هناك بغير اللغة العربية التي هي اللغة الأساسية لفهم القرآن والدين..لكن في بلد كتشاد وبعض الدول (الفرانكفونية)، يكون الحديث بالفرنسية أبلغ في التأثير بالذات بين المثقفين والنخبة ، وكذلك في المناطق (الأنجلوسكسونية) التي درست باللغة الإنجليزية ؛ يكون البث باللغة الإنجليزية أكثر جدوى ويمنحك مجالاً للتأثير على النخبة المثقفة. دور الإعلام * لماذا لا تدعون لمؤتمر إسلامي كبير للتأكيد على أهمية ودور الإعلام، واتخاذ خطوة جادة للعمل في مساره؟ - هناك قضية مفصلية لابد أن تكون واضحة في هذه المرحلة، وهي أنه لا يمكن للإسلام أن يتحرك حركة قوية وموازية ومكافئة من خلال منظمات شعبية لا تلقى أي دعم حكومي، وبعيداً عن أي تبني رسمي لهذا العمل، بل للأسف تجد كثيراً من العوائق في طريقها، إن الأمة المسلمة عليها واجب وملزم عليها، والأمة العربية على وجه الخصوص، قال تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)، وعليه فإنه أولى بالدول الإسلامية أن تلتفت لهذه القضية وتنشيء لها وزارة خاصة بها تعنى بتفعيلها؛ ويوم يحدث ذلك، فسوف تكون النتيجة جيدة، وفي المقابل نرى الدول الغربية تدعم التنصير، بينما النصرانية فيها تنحسر؛ ولكنها تدعمها وتوفر لها الرعاية اللوجستية والتمويل الضخم والتأييد السياسي والدبلوماسي وعلى كافة المستويات. إذاعات احترافية * هل يمكن للمنظمات الإسلامية لو أنشأت إذاعات احترافية.. مقاومة إذاعات التنصير؟ - نعم.. فهذا الدين غلاب، حتى ولو لم تقام هذه الإذاعات بالدعم المطلوب، فهي بجهودها المتواضعة والضعيفة تنزل في كل مكان فتسجل انتصاراً ساحقاً على المنصرين ..لقد وضع النصارى في خطة لتنصير إندونيسيا.. ومر الوقت وبقيت إندونيسيا مسلمة! ، وتراجعت القلة البوذية لصالح الإسلام، كما أعلنت الكنيسة عن عام 2000 م كهدف لجعل أفريقيا قارة نصرانية، وإذا بها القارة الإسلامية الأولى في العالم وتجاوز المسلمون بها 55% وهناك تقديرات أخرى تقول 65%، والدول الإسلامية تعرف أنه ليس لها في هذا الأمر شيء، وليس لها جهات تخصصية بهذا الأمر، ولا سفاراتها معنية بأمر الدعوة، وليس لها مؤسسات أو جمعيات خاصة، وبحمد الله كان لهذا الجهد البسيط نتيجة قوبة بفضل الله تعالى، ثم جراء ما يبذله الدعاة المخلصون للإسلام، وبعض المؤسسات ولو بإمكانات متواضعة ، ولكنها لو صنعت ذلك ودعمت هذه الجهات، فإنها لا شك ستسود الساحة تماماً ، وهذا مالا يريده أنصار التغريب الذين يريدون سلخ المسلمين من دينهم . الدعم والعناية * هل هناك عقبات أخرى تواجه العمل الإعلامي والإهتمام في هذا التوجه؟ - المشكلة تكمن في أنّ معظم الجمعيات والمؤسسات العاملة سواء في العمل الإغاثي أو الشبابي أو العناية بالقرآن الكريم، ولا يوجد منها ما من يهتم بالجانب الإعلامي لأنها ليست في تخصصها، وإنما تبحث عنها لتروج لعملها، ومن هنا لابد من العناية بهذا الأمر وإيجاد المؤسسة التي تهتم به وتفرد له عناية خاصة، ورغم ذلك فهناك هيئة عالمية للإعلام منبثقة عن (رابطة العالم الإسلامي)، ربما تكون هي الهيئة الخيرية الوحيدة المهتمة بالإعلام، وما عداها فهو مختص في مجالات أخرى، فكل شيء موجود ولكن ما تحتاجه لتنفيذ هذه العملية بنجاح هو الدعم المادي واللوجستي، والدعم المعنوي، وإذا لم يكن هناك هذا الدعم وتشعر الجمعيات بأن الدول التي تعمل فيها ترحب بجهودها وتساعد في ذلك، فإنه يصعب تحقيق النتائج المرجوة على هذا الصعيد. الكوادر والتدريب * ماذا عن الكوادر التي تسيّر هذه الإذاعات، هل هي متوفرة؟ - الكوادر موجودة، ومن الممكن استقطابها وتدريب منسوبيها بعد ذلك بشكل تدريجي، بحيث يكون لها كادرها الخاص، ونلاحظ في الفضاء الإعلامي كل يوم تولد فضائية جديدة، فالكوادر متوفرة والسوق مليء، و أرى أنه من غير المقبول أن تنطلق أكثر من 400 أو 500 قناة تنطق بالعربية، حكومية وخاصة، في حين لا نجد منها ما هو موجه للدعوة والإسلام، أو التعريف بقضايانا بلغة الآخرين! لماذا لا تكون هناك محطة من المحطات تتحدث الإنجليزية أو الفرنسية او الاسبانية وغيرها من اللغات العالمية الحية، تدافع عن الإسلام وترد عنه تهمة الإرهاب التي ألصقت به زوراً، فلا بد من مخاطبة الرأي العام الغربي والعالمي بأجمعه وبلغاته، لتوضيح الحقيقة ورد الزيف، ومن هنا لا بد من إعلام قوي يرد هذه الهجمات المكثفة والمغلوطة ويصحح الأخطاء ويثبت الحقائق. الاتصال الجماهيري * كيف تنظر لإنشاء الإذاعة كمشروع تنموي غير ربحي، هل يوازي في نظرك أعمال الإغاثة من الإطعام والكسوة؟ - الإعلام وسيلة اتصال جماهيري، وهو الأكثر فاعلية للحاضر والمستقبل، وأرى أنه إلى جانب إنشاء إذاعة، لابد من تأسيس مركزاً للإعلام الجديد الذي يتحرك من خلال الإنترنت في (الفيس بوك) و(تويتر) وقنوات التواصل الإجتماعي وغيرها، والتي تجعل قضيتك حاضرة في الميدان وفي الشاشات، والإعلام المسموع هو اقل وسائل الانصال الجماهيري من حيث الكلفة، وقد يكون هو المتوفر في أفريقيا، فالجميع يستطيع الحصول على المذياع؛ بينما نجد في مناطق التأثير وصناعة القرار، أ، الإعلام الجديد هو الذي ينبغي لكل صاحب فكر وقضية أن يكون مجال تركيزه واهتمامه، وعلى المسلمين بصفة خاصة أن يكون لهم سبق إليه واهتمام به وتمكن قوي منه. تأثير الإذاعات * ما مدى تأثير الإذاعات التنصيرية في أفريقيا؟ وهل حققت النتائج التي كانت تسعى لها؟ - هي وسيلة تضليل للإنسان البسيط، والنصارى هم أحد أمرين: إما ذراع استعماري لفرض النفوذ والسيطرة، والذي سعى لنهب الدول الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية لهذه البلدان التي لازالت بكراً، كالالماس والمواد الثمينة كاليورانيوم والمواد المشعة وغيرها، ويريدون نهب هذه الثروات، فنجد لدى دولة أوروبية في النيجر شركة ضخمة لاستخراج (اليورانيوم) وتصديرة، وبمعنى آخر نهب ثروات تلك البلاد، مقابل حفنة من الدولارت للأجهزة المختصة، ومن المؤسف أننا نرى مقر الشركة يعمل ومن حوله السكان يعيشون في حالة دون الآدمية، وهي بجانبهم تسرق ثرواتهم الهائلة، وهم على بعد عشرات الأمتار يأكلون التراب!!! ولكنها قررت بعد اكتشاف ماحدث، أن تخصص 20 مليون يورو لتنمية المنطقة المحيطة..فأين المباديء وأين القيم وأين الشكر والمقابل؟ ولو لم يظهر شيء لاستمروا في عملية السطو.. أما الجانب الآخر: فهم منظمات إرسالية تنصيرية تستقطب بعض الشباب والشابات والصغار منهم بصفة خاصة، لما يتمتعون به من الحماس والبعد عن الأغراض الشخصية والسياسية وغيرها..ولكنهم في نهاية الأمر مضللون لا يعرفون إلا ما يتلى عليهم ولا يأخذون إلا ما يكتب لهم ،كما يمنعون من الاحتكاك بالمسلمين والحوار معهم. تجربة فاشلة * كيف تقيم تجربة مشاريع منظمات تنصير المسلمين؟ - هي تجربة فاشلة حتى النخاع، وأغلب من نصروهم يعودون للإسلام في نهاية المطاف، حتى من وصل منهم لمرتبة عالية سواء مدنية أو دينية نجده يرجع في النهاية، ويكتشف أن الإسلام هو الحق بعد تفكر وتأمل، وهناك آلاف من النصارى تحولوا للإسلام ومقتنعون به تماماً، وهم موجودون في أنحاء كثيرة، ولم تنفع معهم محاولات التنصير بعد ما قدمت لهم كثيراً من الإغراءات.