استرعى انتباهي عندما كنت أقلب في القنوات الفضائية بحثا عما يستحق المتابعة في فترة استراحة، ما قدمته النواعم في برنامجهن كلام نواعم حين قدمت إحدى مذيعاته تقريرا عن باحثة آثار أمريكية طاب لها العيش في صحراء الأردن وبقرب آثارها العتيقة لسبعة أعوام ومازالت. بالطبع هدوء الصحراء وصفاؤها والبعد عن ملوثات الحياة المدنية بكل أصنافها هو ما دعا هذه الباحثة للمكوث في صحراء الأردن بين سكان البادية، وكون تلك المنطقة تحوي آثارا قديمة للنبطيين وغيرهم وهو بالنسبة إليها حافز قوي أيضا للعيش كل هذه الأعوام هناك. ما لفت نظري هو ذهاب إحدى مذيعات البرنامج فرح بسيسو لزيارة تلك الباحثة الأمريكية وتصوير تلك الزيارة، وهي ترتدي ملابس لا تمت للبيئة العربية أو الصحراوية بصلة، بالنظر إلى أن فرح بسيسو فلسطينية الأصل أي أنها ليست غريبة على تلك البيئة فكان المتوقع وهي تزور امرأة أمريكية تسكن الصحراء الأردنية أن تظهر هويتها، واللباس جزء من الهوية، على الأقل أمام تلك الباحثة التي احترمت هذه البيئة وعشقت العيش فيها كل هذه الأعوام. حقيقة إن لم نحترم ثقافتنا ونظهر هذا الاحترام فكيف ننتظر من الشعوب الأخرى احترامنا. ما ضر هذه المذيعة لو لبست اللباس الأردني وهو بالمناسبة من أجمل الأزياء بألوان أقمشته الدافئة وحشمته وعراقته التي تذكر بتاريخ تلك المنطقة الضارب في القدم، إلى جانب روعة أقمشته وهيئته، وهو لباس تشترك دول الشام جميعها في ملامحه وإن اختلفت في التفاصيل الصغيرة. برنامج كلام نواعم له جمهوره ويقدم تقارير عن حالات إنسانية وإنجازات عربية لكن أيضا حري بالنواعم الانتباه لمثل هذا التساهل في قضية الهوية. كما وأن مناقشة كل شيء بما فيه الأمور الجنسية بشكل مباشر وفج وهذه بالمناسبة أيضا تقليد أعمى ومحاكاة لشعوب بعيدة عنا ثقافيا، لا ترى في مناقشة أدق التفاصيل الجنسية والحميمية أدنى عيب فهل معنى هذا أن نقلدهم، لمثل هذه الأمور أماكنها وعياداتها ومتخصصوها، وإذا كان ولا بد التنبيه والتحذير للسلوكيات والممارسات الخاطئة ونشر الوعي بذلك وهو أمر محمود فلا أقل من طرح ذلك بأسلوب غير مباشر وعدم خدش حياء المشاهدين والحضور في البرنامج. أعجبني كلام الدكتور محمد العوضي عن الإسفاف الذي تقدمه كثير من القنوات الفضائية العربية بل وجلب وترجمة مسلسلات وبرامج مستوردة وتقديمها للجمهور العربي دون مراعاة الفوارق الثقافية والحضارية التي تميز كل أمة عن غيرها، ودمتم.