كفى بالغيرة جنونا أن تكون أول أسباب التحدي «الإبليسي» ونجمة أول جريمة قتل شهدها التاريخ، وشرارة شر، أوقدت نيران الحقد بين يوسف عليه السلام وإخوته! ذاك الشعور الفطري ينتاب كل البشر، وهو ليس سيئا في كل أحواله، لكن له أبعاد وتبعات تزلزل ثقة الإنسان بذاته، لينزل طوعا إلى مقارنة «ساذجة» بينه وبين آخر، وهنا تتحول من محفز لبذل الأفضل، إلى ميدان محموم، في سباق آثم نحو السلطة والتفرد، فهي من دون موعد تأتي بكيدها، وتغتال الحب وأسمى المشاعر، لا أحد بريء منها، الإنسان والجان وحتى الحيوان. إنما نستطيع ألا نثيرها أولا، بين الأقران في الأسرة والعمل والمجتمع، لأنها تخلق في طريقها رغبة انتقام غير مبررة، وكراهية غير منطقية، وإن ثارت.. يبقى الرسن ملك يمينك إذا آمنت أن لا أحد يمكنه أن يقلل من شأنك، أو يأخذ مكانك أو يشاركك رزقك، تستطيع أن تقاوم تبعاتها فقط، حتى لا تنزلق في مستنقع تغرق فيه وحدك، دون أن يلتفت إليك أحد. وإن وجدت الأسباب مقنعة لتفعل الغيرة وتأخذ بثأرك ممن أهملك أو تجاهلك، أو تفرض وجودك رغما عنه، توقف لحظة تسترجع فيها قيمتك، وقرر من يحددها، أنت أم الآخر! مهما كان موقعه وقيمته ونفوذه. ومن بربك يستحق أن تحرق من أجله المساحات النقية في قلبك وصحتك؟ بالطبع لا أحد على الإطلاق. وللغيرة وجه آخر فاتن ناعم، يبعث الدفء أينما حل، يخسر من يخفيه عن صاحبه، لأنها رغم قناع الريبة والقسوة التي يعتبرها البعض إيذاء للمشاعر وتنافي الثقة، وتقلص الحرية، إلا أنها تبقى جنة حب يتوق لدخولها العشاق رغم ما يسبقها من منطقة ملغومة تستدعي الحذر وحساب الخطوات. ومن جانب آخر، تصبح مزعجة وثقيلة في علاقة حب من طرف واحد، يمارس فيها الأول حقا غير مشروع، في علاقة نصف ميتة، وتكون عذابا مستمرا، عندما تتحول من عارض إلى مرض مزمن، يسرق الهدوء ويلقي به في جهنم أخذ المواقف والأمور على محمل شخصي، ورغبة مخيفة للتملك والمحاصرة حد الاختناق.